في غالب وعموم الأنظمة الديمقراطية لا يأتي التغيير الوزاري إلا بعد الانتخابات النيابية إذ يحق للحزب الفائز بالغالبية أن يشكل الحكومة. في الأنظمة ذات التطبيقات المتفاوتة للديمقراطية تتعدد أساليب وآليات التغييرات الوزارية. لدينا ووفقا لدستور المملكة المادة (33 ب) يعين الملك رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه بأمر ملكي، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم ملكي، بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء. لذلك فالتعديلات الوزارية يمكن أن تُجرى في أي فترة بمرسوم ملكي بناء على الدستور وعلى عرض رئيس الوزراء. وهي ليست آليات تختص بها مملكة البحرين من دون غيرها، إذ يبدو أننا نقتفي أثر عدد من الدول والممالك العربية، فقد درج الأردن ولأكثر من مرة حتى خلال العام الواحد على إجراء تغييرات وزارية محدودة. وكذلك الوضع في الكويت التي تلجأ لتعديلات وزارية محدودة إذا ضيّق البرلمان الكويتي الخناق على السلطة التنفيذية إما من خلال لجان التحقيق أو استجواب هذا الوزير أو ذاك. لكن ما يحسب للكويت أنه قبل اختيار الوزراء يتم التشاور بين السلطة التنفيذية والكتل النيابية ويُستأنس برأي الكتل عن الشخصيات المترشحة لتولي الحقائب الوزارية.
لدينا ومنذ صدور دستور مملكة البحرين العام 2002 جرت 6 تعديلات وزارية جزئية بمراسيم ملكية كان معظمها قبل بدء دور انعقادٍ برلماني جديد. وآخر تلك التعديلات تعديل الشهر الفائت بخروج وزيري الصحة والإعلام وتعيين آخرين بدلا عنهما. ما الذي يدعو السلطة التنفيذية لهذه التغييرات والتعديلات؟!
هل هو تخوف من دور نيابي فاعل قد يهز كرسي هذا الوزير أو يزيح ذاك؟ لا نحسب أن هذا سبب يخيف السلطة التنفيذية التي بيدها الكثير من ضمانات الإمساك بزمام الأمور في هذا الجانب. القيود المحكومة بها الصلاحيات الرقابية لنواب الشعب والمنصوص عليها في الدستور واللائحة الداخلية للمجلس ضمان كبير لبقاء الأمور رهن السيطرة الحكومية. ومن جانب آخر فتجربة خمسة أدوار انعقاد من العمل البرلماني أظهرت دهاء سياسيا وحنكة تتمتع بهما الحكومة التي تمكنت بنجاح مشهود له من إفراغ عمل لجان التحقيق البرلمانية التي قامت من محتواه، وحالت دون بلوغ أي تحقيق برلماني منتهاه ومبتغاه. وفوق هذا وذاك فالحكومة تملك سلاحا ماضيا هو المادة 69 من الدستور التي تلزم أية لجنة تحقيق بتقديم تقريرها في مدة أقصاها 4 أشهر، وهو سلاح فتاك في ظل آليات عرقلة متنوعة لعمل لجان التحقيق على أنواعها.
هل هو رغبة من السلطة التنفيذية في احتواء أي صدام قد يحصل بين النواب والحكومة داخل المجلس؟! لا نظن ذلك أيضا، ولو كان لخرج من الوزارة منذ التعديل الخامس وزير أثيرت حوله زوبعة كبيرة داخل وخارج المجلس. ولكان الوزير ذاته خرج في التعديل الأخير بعدما رشح عن عزم كتلة الوفاق طرح موضوع استجوابه في دور الانعقاد المقبل.
إذا هل هو تغيير بغرض اختيار وزراء ذوي كفاءة مقارنة بالموجودين منهم؟ لا نظن ذلك فقد كان لدى وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ من الكفاءة الإدارية والفنية ما مكنها - بكل اقتدار - من تحمل عبء وزارة ضخمة مثقلة بتركة من الخراب والفساد الإداري والفني والاستشاري. وبظني فإن كل من له تعامل دائم وتردد على مجمع السلمانية الطبي قد لمس حجم التغيير الإيجابي الذي جرى في أساليب التعامل مع الحالات المرضية وآليات العلاج وما استجد من انسيابية مريحة في نظام العمل اليومي بجميع أقسام وأجنحة المستشفى. من جانب آخر، فمن الملموس أنه على حساب معايير الكفاءة والتخصص والاقتدار تأتي دوافع المحاصصة العائلية والفئوية والطائفية التي ما زالت تحكم أي تعديل وزاري جرى منذ بدء الحياة البرلمانية العام 2002 حتى اليوم، تاركة آثارها على طابعه وطبيعته، منحية جانبا أي عوامل أخرى.
هل التغيير - إذا - هو تغيير لمكافحة الفساد الإداري والمالي بعدد من الوزارات؟! لا نظنه كذلك أيضا، فلايزال باقيا وصامدا على كرسيه عدد من أولئك الوزراء الذين فاحت من وزاراتهم روائح فساد أزكمت أنوف العامة من الناس قبل الخاصة، لن نذكر الأسماء فكل منهم - بلا شك - يتحسس رأسه. وما يزيد الطين بله أنه يكاد ينعدم أن يسبق أو يتبع أي تغيير وزاري محاسبة أي وزير على تقصير أو يندر إبعاده. لم يُبعد معظم الوزراء المقالين بل تحول غالبيتهم إما إلى خبراء استشارة ثقيلة العيار أو تقلدوا منصبا فاعلا في اتخاذ القرار. وعليه تعددت الرواتب التي يجنيها الواحد منهم من خزينة المال العام في الوقت الذي تتسع فيه شرائح المواطنين الواقفين على خط الفقر. كما أن الاقتصار على تغيير رأس أي وزارة لا يعني اجتثاث الفساد منها إن لم يترافق مع اجتثاث بؤر الفساد في المستويات الوظيفية الأدنى.
لا يبدو أن التغييرات الوزارية تومئ إلى أن التغيير يجري تخوفا من تفعيل رقابة نيابية، أو يُتخذ بنية تنقية الأجواء داخل النيابي، ولا لإجهاض عمل لجان تحقيق، أو تلبية لنداءات ومطالبات المعارضة، ولا توجها لتحسين الأداء في هذا المرفق الحكومي أو ذاك. السلطة التنفيذية تنزع نحو التغييرات الوزارية تأكيدا وتثبيتا لدورها كلاعب أساسي في العملية السياسية بالمجتمع اليوم وغدا وبعد غد. بيدها وحدها الحل والربط واتخاذ القرار مهما تشكلت لجان أو طرحت استجوابات. لم تزل ذهنية الناموس الثابت في أحادية اتخاذ القرار وفي سيرورة مستوى معين من الرتابة في حياة المجتمع خالية من أسباب وجع الرأس هي القائمة والفاعلة. الأمر ليس بيد أحد آخر حتى من انتخبهم الشعب وحتى بوجود المادة 66 من الدستور التي تقرر أن كل وزير مسئول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته. التغيير يجري لاعتبارات أخرى تنظر للمدى البعيد قبل القريب.
الصورة تتضح بقول سمو ولي العهد أن التغيير الوزاري في يد الملك ورئيس الوزراء، والمفروض علينا دعم الحكومة. وهي تتضح في جانب آخر فيما كتبه أحد بسطاء القوم بعامية محببة:»غيروا بدلوا شالوا خلوا طرحوا جمعوا. وضع المواطن المغلوب على أمره مثل ما هو. الذي سيتغير فقط اسم الوزير وراتبه العود الذي سيحصل عليه. لا أنتظر ولا ذرة فائدة من أي تغيير وزاري».
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ