هاهو شهر رمضان العظيم يوشك على الانتهاء مؤذنا بالرحيل، إذ يمكث فينا قرابة ثلاثين يوما وثلاثين ليلة، فماذا استفدنا منه على الصعيد الفردي والصعيد الجماعي؟
هل استفاد الفرد ما - معشر المسلمين - في المجال الأخلاقي والسلوكي؟
هل ممارستنا لفريضة الصوم أدّت إلى تعديل وتحسين ممارساتنا في مجال السلوك العملي، فقلّت في هذا الشهر الكريم ممارساتنا السلبية مقارنة بالممارسات الإيجابية داخل بيوتنا وبين أسرنا ومجتمعاتنا؟ هل زاد رصيدنا الأخلاقي من الصدق والأمانة والرفق ونقاء الضمير والإحساس بالآخرين خصوصا ضعفاءنا الذين «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف» والظهور بمظهر المكتفي وغير المحتاج، ولكنه في الواقع عكس ذلك تماما؟ هل تحسنت علاقاتنا الاجتماعية وسمونا بها إلى مستوى خال من الحقد والحسد والضغينة والأنانية؟ هل تحوّلت خصوماتنا الطويلة إلى علاقات جديدة تحيطها المحبّة والودّ والإيثار، بحيث ينعكس إيجابيا على ممارساتنا اليومية مع أفراد أسرنا وجيراننا وأقربائنا القريبين منّا والبعيدين؟
هذه وغيرها من الأسئلة جديرة بأن نستحضرها دائما أمامنا؛ لنطرحها داخل أعماقنا، ونجيب عليها بكلّ صدق وشفافية وإحساس بالمسئولية. هناك مَنْ يعتبر الصوم خصوصا، وشهر رمضان عموما بمثابة بركة ماء نقي نغسل به ما علق بأجسامنا من الدرن والقاذورات بحيث نخرج منها ونحن نشعر بالنقاء الداخلي والخارجي، فما بالك حين تمارس هذه «السباحة» بشكل يومي ومستمر، هل يبقى شيء من «الوسخ» عالقا بأجسامنا؟ والأسئلة مستمرة ومتواصلة:
هل أنهينا القطيعة التي دامت شهورا وربما سنوات نتيجة سوء فهم أو سوء تفاهم دخل فيه الشيطان وقرناء الشيطان فزادوا الطين بلة و»نفخوا» في نار الفتنة فزادوها اشتعالا يحتاج إلى مزيد من الحطب.
أعرف أصدقاء في أكثر من موقع حدث بينهم شيء من الخصام قبل شهر رمضان المبارك، وقد بذلت جهود متتالية بينهم لإنهاء هذا الخصام ولكن من دون جدوى، حتى جاء شهر رمضان المبارك، وكنا نحسب أنّ هذا الشهر العظيم كفيل وجدير بإن ينقي النفوس ويصفيها ويضع حدا للقطيعة، ولكن خاب أملنا، فالنفوس هي النفوس، والقلوب هي القلوب، والعلاقات المتوترة هي نفسها قبل تشريف هذا الشهر المعطاء الزاخر بالخير العميم على المستوى الفردي والاجتماعي، أليس هذا مؤسفا... بل مؤلما؟
كيف لا و»المتورطون» في هذه القطيعة والخصام أناس يمتازون ويعرفون بالحكمة والعقل، ويشكلون جزءا من قدرات مجتمعهم، فأين هذه القدرة يا ترى حين يتحوّل الداعون إلى الخير في حاجة لمن يهديهم ويبصرهم لطرق الخير والصلاح ويحذرهم من مغبّة الاستمرار والتمادي في القطيعة التي شملت كلّ الأفراد: رجالا ونساء وأطفالا، هل هذا شيء معقول؟
على صعيد آخر - أيّها الأخوة - لنأت إلى قضية الإنفاق في شهر رمضان، وهي قضية تتكرر في مثل هذا الشهر من كل عام مكونة أزمة مقترنة بشهر الصوم، وهو منها برئ يختلقها الناس الصائمون أنفسهم جرّاء التهافت على الأطعمة التي يتحوّل أغلبها إلى «الحاويات» و»أماكن الزبالة»، فهل عدلنا من سلوكنا هذا ولو بنسبة ضئيلة؟
لا أظن ذلك. أمّا اختلافنا بشأن هلال شهر رمضان في بدايته ونهايته، وكذلك المناسبات المتعلقة بهذا الهلال، فحدّث ولا حرج، إذ صار الاختلاف في المدينة الواحدة والقرية الواحدة والبيت الواحد شيئا مألوفا حتى بين بعض علماء الدين -حفظهم الله-، فهل يرضي هذا الاختلاف أحدا؟ أشك في ذلك، والقضية قائمة... أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1855 - الخميس 04 أكتوبر 2007م الموافق 22 رمضان 1428هـ