المعيّنون في المراتب العليا... ويجدون أنفسهم في السماء... هؤلاء من تسقط عليهم المناصب مصادفة... بوجودهم في اللحظة الحاسمة... والمناسبة!
ومن دون أي جهد يذكر أو تعب في المناصب التي يطلق عليها المناصب السياسية، والتي لا تميز بين الأخضر واليابس! والعذر أنها لا تحتاج إلى مقومات أو خبرات، فهي تعتمد أولا وأخيرا على القرب والتقرب والمجاملات... وأحيانا على اسم القبيلة والانتماء... أو النشاط (أقصد الخمول السياسي أو الحزبي) إذا كان! ما يكون! فتاريخ الإنسان بذلك هو الأساس والعشيرة ربما.
فالكفاءة أو الموهبة والشهادات ليستا بمقياس لتولي مثل هذه المناصب دائما. وقد يكون العكس صحيحا كما ذكرت.
هؤلاء يصبحون نجوما لامعة. ويطلق عليهم لقب السعادة والمعالي... الخ.
كانوا بسطاء يوما يديرون مواقع متواضعة في الحياة، وبقدرة قادر يتربعون السحاب! هل هي الديمقراطية الحديثة ممزوجة بآثار القبلية أم ماذا؟
وتلعب تلك الكلمة السحرية وتفعل السحر وما لا يتوقع في الأذهان، والغريب والمتعارف عليه أن هذه المناصب تأتي من دون أجندة (جدول أعمال) مع الأسف الشديد، فهذا الإنسان يلقى باليم ويقال له اسبح يا شاطر! وورينا حا تعمل إيه بالمسئولية التي فوق طاقتك، فيجلس السعادة محاورا من حوله في أنشطة العمل، يجد نفسه غارقا في بحور من المعلومات لا يفقه منها شيئا، ويجد أن هنالك الكثيرين ممن يتفوقون عليه جدارة وخبرة وشهادات ولكنهم لم يرفعوا كما رفعة الله، فيحتاس ولا يدري كيف اختارته الأقدار وقد يدخل في جدال مع نفسه، وهو يرى صغر حجمه من الداخل وضحالة معلوماته ويضيع. وقد يصعب عليه حاله، ولكنه لا لن يتنازل عن كل تلك الوجاهة العجيبة ما بين يوم وليلة وهو الآمر الناهي والكل يعظمه، والأضواء والشهرة جميعها تسعى إليه ليس لكفاءته وشطارته، ولكن لمنصبه وكرسيه السحري! فلا بد من محاولة لبقاء، ويبدأ في تعيين مستشاريه، بالكفاءة نفسها التي تم تعيينه فيها، ويختار أيضا من هم أقلّ منه خبر، ويبعد من يزعجونه لأنهم أكثر جدارة وخبرات، لا... ليس لكرهه لهم! بل لأنهم يحرجونه ويجعلونه يشعر دائما بعدم استحقاقه لذلك الكرسي! وبذلك يتسلم الضعاف زمام الأمور وتملأ الأماكن الحساسة بالموالين للكراسي ذوي الخبرات المسطحة، وبذلك تتسطح الخدمات العامة وتتراجع المثل وتنهار القيم الأساسية التي تشجع وتحفز الحصول على أعلى الشهادات والخبرات لتحسين ظروف المعيشة والحياة ويستعاض عنها بالحاجة إلى صقل المواهب بمواهب أخرى أكثر فاعلية. ولا دخل لها بالدراسة إطلاقا، مع زيادة معاناة البشر والمواطنين في البلاد من سوء الخدمات. وقد يبقى هؤلاء دهرا من الزمان في تلك الأماكن شديدة الأهمية لخدمات المواطنين ومن دون أي تفعيل أو تطوير... هم يبقون ليس لكفاءتهم وإنما ربما لنسيانهم فيها! إلى أن يظهر من هم أكثر كفاءة في التدليس وشهادة اللسانيات. وقد يعود هؤلاء بعد مدة وجيزة إلى أماكنهم السابقة... أيضا مصادفة مع اكتسابهم لتجربة الصعود وما تشملها من مميزات خارقة! حينها يكون النزول أشبه بالكارثة التي لم يتوقعوها... بتلك السرعة، فأيام الصعود دائما تفوت كلمح البصر، ومها طالت فستنتهي أيام العسل، فتغلق الأبواب المفتوحة والمجالس، وتلغى الصور من كل مكان، وتسحب التشريفات والألقاب، إذ يعود كما كان، وقد يزداد عزلة بسبب صدمة النزول القاسية، التي لم يعمل حسابها أثناء صعوده، ويبوح الناس بعدها ما في قلوبهم ويهزأون ممن عاش تجربة كانت وثم عاد إلى وضعه الطبيعي ووضع فوق الرفوف وتسربل مع السراب.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ