يرى الإمام علي (ع) الذي تصادف ذكرى استشهاده هذا اليوم 21 رمضان، أن الحاكم الجاد في تسيير شئون البلد بنجاح، في حاجة لإشراك الأمة لإعانته على تحمل مسئولياته كافة، إذ يستحث الناس على نصيحته وهو في موقع الحاكم بقوله: «... فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل»، ويؤكد الدور المهم لكل فرد في الأمة قائلا: «وليس امرؤ، وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته، بفوق أن يُعان على ما حمّله الله من حقه، ولا امرؤ، وإن صغرته النفوس وأقحمته العيون، من دون أن يعين على ذلك أو يعان عليه». ولابد أن هذه القاعدة تشمل إنجاح العملية التنموية، فنجاح المشروعات التنموية مرهون بتفاعـل الشعب معها، ومشاركته فيها من حيث التقرير والتنفيذ، أما استجلاب الأجانب من مختلف أصقاع الأرض نكاية بأبناء البلد أو بفئة منهم، فلا يحقق سوى فقدان ما بقي من ثقة بين الأمة والحكم، وما يستتبع ذلك من مشكلات مستقبلية. يقول شارل بيتلهايم (Charles Bettelheim):
«وليس أخطر في هذا المجال بالنسبة إلى بلد متخلف من أن يتصور زعماؤه أن يكفي أن يلجأوا إلى مجموعة من الفنيين، تعد لهم خطة التنمية، ثم يتوجهوا إلى بعض الدول الأجنبية بطلب تمويل تنفيذها. فالاكتفاء بذلك يمكن أن يحقق في بعض القطاعات نتائج محددة، ولكنه لن يقدم شيئا في ميدان النضال الحقيقي ضد التخلف، لأنّ هذا النضال يقتضي مجهودا ضخما لزيادة التراكم القومي يفترض تحقيقه بالمشاركة الحماسية من جانب الجماهير». (التخطيط والتنمية، ترجمة إسماعيل صبري عبدالله، ص64)
إقصاء الشعب عن المشاركة، سواء كان المستهدف من ذلك فئة قليلة أم كثيرة، لن يأخذ بالبلد إلا إلى طريق واحد، وهو فشل التنمية، واضطراب الوضع في نهاية المطاف. والاستبداد بالقرار، سواء جاء بالقوة الظاهرة أم بقوانين جائرة صدرت نتيجة أسس دستورية غير متوافق عليها، فإن ذلك لن يغيّر من حقيقة عدم رضا الشعب شيئا. وأي نجاح ينتج بناء على هذا الأساس الخاطئ متمثلا في إقصاء الشعب، يقود تلقائيا لتعثره مستقبلا لافتقاده أعظم أسباب البقاء والاستدامة ألا وهو رضا عامة الناس. ورضا الناس ضرورة لنجاح الدولة على كل الصعد بما في ذلك الجهود التنموية، لهذا يقول الإمام (ع) مخاطبا واليه على مصر، مالك الأشتر باتخاذ الأمر الذي يحوز على رضا الأكثرية قائلا: «وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمّها في العدل وأجمعها لرضا الرعية». وإذا رضيت الجماهير، فستكون متحمسة ومتفاعلة مع مشروعات الحكومة والتي من أهمها وأوثقها، مسألة التنمية، فلا تنمية بلا رضا الجماهير ومشاركتها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن حق الناس في المشاركة أساسه أنّ الحاجات الإنسانية لا تنحصر فقط في الجوانب المادية كالمأكل والمشرب والمسكن، إذ إنّ الإنسان له حاجات نفسية ومعنوية لا تقل أثرا وإلحاحا عن حاجات الجسد. يقول الشيخ مرتضى المطهري: «من الممكن أن تعمل الحكومات المختلفة في سبيل تأمين الحوائج المادية للحياة بصورة واحدة، ولكنها لا تتساوى في رضا الناس عنها، إذ يفي بعضها بقضاء الحوائج النفسية والروحية للمجتمع بينما لا تفي بها الحكومة الأخرى». (في رحاب نهج البلاغة، ص97)
ومع المصاعب والتعقيدات التي واكبت حكم الإمام علي (ع) والذي استمر أقل من خمس سنوات، شابها ما شابها من نكد، إلا أن سياسته العادلة، التي لم تغفل قاعدة المشاركة الشعبية حتى في وضع السياسة الاقتصادية، وهذا ما ذكره الحسن بن علي الحراني في عهده لمالك في نسخة مختلفة قليلا عن نسخة نهج البلاغة، حين أمر مالكا بالاجتماع بأصحاب الشأن وهم أهل الخراج آنذاك، قائلا (ع) «فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك، ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم...»، هذه السياسة قد عادت بنتائج، نترك وصفها له عليه السلام إذ يقول في هذا الشأن، واصفا ما تحقق أثناء فترة حكمه القصيرة من ثمار، وكأنه يقدم تقريرا عن نتائج هذه السياسة في ظل حكومته العادلة: «ما أصبح بالكوفة أحد إلاّ ناعما، إن أدناهم منزلة ليأكل من البر، ويجلس في الظل، ويشرب من ماء الفرات».
أخيرا، فإن تأييد أقوى قوة عسكرية واقتصادية كالولايات المتحدة، للنظم الدكتاتورية التي قامت في بعض بلدان العالم الثالث باعتبارها نظم مستقرة ومعادية للشيوعية ومصادقة لرأس المال الأميركي، لم يغيّر من النتيجة الحتمية لمبدأ إقصاء الشعب شيئا، فبعد خمسة عقود من بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الاستبداد قد أفشل عملية التنمية، وأغرق هذه البلدان في قعر التخلف بعد ضياع الثروات الطبيعية واستنزافها بلا جدوى.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1853 - الثلثاء 02 أكتوبر 2007م الموافق 20 رمضان 1428هـ