العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ

العيش قريبا من الكوليرا

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

نقلت أخبار عراقية ودولية متطابقة، ظهور حالات إصابة بالكوليرا في مدينة البصرة الواقعة جنوبي البلاد منذ أيام قلائل، في إشارة خطيرة تدل على سعة انتشار الوباء الذي بدأ أقصى شمالي العراق وفي أجزاء من إيران، ففي الوقت الذي تم الإعلان فيه عن حالات الإصابة بالإسهال الحاد ارتفع تعداد هذه الإصابات إلى 29 ألف حالة، بينها 1500 حالة كوليرا مؤكّدة.

ونقلت المتحدّثة باسم منظمة الصحة الدولية من جهة أخرى، وخلال مؤتمر صحافي عقد في جنيف مؤخرا، إن السلطات العراقية أبلغت عن 29 ألف إصابة بالإسهال الحاد من بينها 1500 حالة تأكد إصابتها بالكوليرا.

تلك هي الأخبار الواردة من الحدود الشمالية للخليج، وإذا أخذنا بحقيقة أو واقع قلة القدرة على الرصد الطبي المؤكّدة في حال الدولة العراقية القائمة، نستطيع أن نخمن من دون الخروج كثيرا عن الحقيقة، إن تلك الأرقام ما هي إلا رأس جبل الثلج المطل فوق سطح الماء وما خفي كان أعظم فالعراق يغوص أكثر وأكثر في اضطراب مهول وقد يأخذ بعض جيرانه معه، إذا لم يتم الانتباه والحذر وتدارك الغافلون شأن الأمور.

الكوليرا عبارة عن ميكروب يدعى الفيبرو ويكون ظهوره في الأغلب راجعا بنسبة 90 في المئة للمياه الملوثة و10 في المئة للطعام الملوث، وينتقل عن طريق الفم، كما أنّ أعراض الإصابة به كما يقول المتخصصون، تبدأ بإسهال شديد يشبه كثيرا ماء الأرز المطبوخ، ثم يعقبه تقيؤ يفضي إلى جفاف حاد، وانخفاض في درجة الحرارة. وأكثر ما يميز الكوليرا القدرة على الانتشار السريع بين أكثر من مصاب وفي أماكن متعددة، يكون بعضها بعيدا عن البعض الآخر.

وتعرف الأعراض للعامة بالإسهال بكميات كبيرة جدا مع ازدياد حدته ثم قيء وتقلص في عضلات الأرجل مع فقدان سريع لسوائل الجسم ما يؤدى إلى حدوث الجفاف ثم تأتي صدمة الموت في خلال ساعات إذا لم يتلق المصاب العلاج.

هذا الوباء بوصفه السابق هو الأعراض المرضية للمرض اللعين، وهناك أشكال من الكوليرا قد تأتي من العراق، أوّلها الكوليرا السياسية، فالحديث النشط عن تقسيم العراق يعني فيما يعنيه عدم قدرة الطيف السياسي العراقي، بألوانه المختلفة، وخصوصا السنية والشيعية والكردية على الوفاء باحتياجات الوطن، فمنذ سقوط الدكتاتورية في العراق والحرب الأهلية بالأصالة، أو النيابة قائمة على أشدها، وقليل من الأقلام يريد أنْ يناقش الموضوع بوضوح، ويغطيه بأغطية من الكلام المرسل. وباء الكوليرا السياسي في العراق له اسم واحد هو (الطائفية) ويمكن أنْ ينتقل من العراق إلى الجوار بسهولة ويسر لا يراها البعض اليوم، وهي ليست جديدة في المنطقة على كلّ حال، فهناك (كوليرا) طائفية في لبنان، تضرب بقسوة النسيج المجتمعي اللبناني وتخرقه إلى درجة تعطيل الدولة تحت شعارات ظاهرها سياسي وباطنها طائفي بغيض، والدولة اللبنانية معطلة منذ شهور طويلة دون أي انفراج يذكر، هذا الوباء يمكن أنْ يمتد إلى دول الخليج من جنوب العراق، إذا لم يسارع بعض المعنيين ومن مختلف الأطراف إلى قرع أجراس الإنذار. هذا الوباء يلوح في الأفق وينذر بالشر المستطير وأسبابه عديدة منها الداخلي ومنها الخارجي بوجهيه الحقيقي والمصطنع.

أما الكوليرا الثانية التي انتشرت بوعي أو من دونه، فهي هذا المزج السياسي بالديني وعلى نحو متعسف أوصل إلى شل العمل السياسي تحت طائلة الإدعاء الديني، وهو أمر ليس بجديد ولكنه تفاقم إلى درجة يخشى منها انهيار الدولة كما نعرفها في شرقنا العربي، لقد تم هذا الخلط تحت سمع وبصر الدولة العربية الحديثة، وها هي تقطف ثمار ذلك الخلط (الكوليري) دون أن يكتشف أحد،حتى الساعة، أي مصل مضاد لهذه الآفة المرضية. فقد ظهر أحد (الجهاديين) السابقين، هو عبد الله أنس، ولمن لا يعرفه فهو نسيب المرحوم عبدالله عزام كبير (المجاهدين) الذي اغتيل في صراع على سلطة الزعامة على أرض أفغانستان، ظهر على شاشات التلفزة قبل أيام بمناسبة ظهور شريط جديد لبن لادن، كي يبرر كل هذا الإجرام في حق الإنسانية تحت اسم (الجهاد) فقال: إنّ (الأفغان العرب) بعدما أدوا دورهم استقبلتهم دولهم بجفاء، مثل مصر، فكان رد فعلهم هو الانتقام من هذا الجفاء بإعلان حرب جهادية ضد الإخوة في الوطن، ثم أردف أنّ بعض الدول استقبلتهم بشكل عادي جدا مشيرا هنا إلى المملكة العربية السعودية، وسها على السيد عبد الله أنس، أن يرى أنّ جزءا كبيرا من هؤلاء الذين عادوا إلى بيوتهم باحترام في المملكة العربية السعودية ناهضوا الدولة بالقوة شاهرين السلاح وروّعوا الآمنين، إنه من جديد داء (الكوليرا) السياسية التي تدثرت بدثار الدين، فغررت بالعديد من الشباب ومازالت تفعل.

هذان النوعان من الكوليرا السياسية: الطائفية وخلط الدين بالسياسة، لا يوجد حاجز يصدهما إلا إعمال العقل والحذر من المقدّمات التي تقود إلى النتائج، فالحديث عن (تقسيم) العراق قد يكون مقدّمة لتقسيمات أخرى في المنطقة تنتظر دورها، والمثال السوداني لايزال بين أيدينا وربما يتبعه المثال اليميني، ومن يدري، متى يمكن أنْ تنتقل عدوى «الكوليرا السياسية» بنوعيها القاتلين إلى ديارنا.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً