العدد 1851 - الأحد 30 سبتمبر 2007م الموافق 18 رمضان 1428هـ

المعاودة... رحم الله والديك

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رحم الله والدي رجل الأعمال الإماراتي خلف خالد، الذي قام بذبح 100 رأس غنم حبا في جلالة الملك، وجعل الله ذلك في ميزان حسناته، وأعطاه على قدر نيته في الدنيا والآخرة. وما هو إلاّ تعبيرٌ عن الترابط العفوي في المنطقة.

ورحم الله والديّ الشيخ عادل المعاودة، الذي أنقذ الموقف فقهيا، بما صرّح به في الخبر المنشور الخميس الماضي، فهو يعلم بما تتعرّض له الشعوب العربية من موجات تشكيك بإسلامها، وتوزيع التهم المجانية بالشرك والكفر على أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة بحسب أمزجة المفتين المنغلقين على كتبهم المذهبية المؤلفة منذ سبعة أو ثمانية قرون.

وحسنا فعل الشيخ المعاودة حين باشر بذبح الأغنام بيده، معلنا أنّ رجل الأعمال الإماراتي «قد تقرّب إلى الله عزّ وجلّ بذبحها حبا في عاهل البلاد»؛ ليقطع الطريق عن الاتهامات الجاهزة بالشرك وفتاوى التكفير. وهنا يثبت المعاودة تقدّم «السياسي» فيه على صفة النائب أو الشيخ أو الخطيب.

أداء المعاودة بالبرلمان جعل بعض الصحف تصفه بـ «شيخ السلفيين» في البحرين، وهو ما أثار غيرة أحد النواب السلفيين «المستقلين» الذي يدّعي أنه يدافع عن الشعب دائما، واعتبره مجرد «شاب محبّ للخير» ليس إلاّ، يعني كأيّ شابٍ يعمل في إحدى لجان الجمعية. ومع ذلك سيذكر للمعاودة موقفه الفقهي السياسي الأخير، الذي أنقذ الموقف، وجنّب البلد جدلا بيزنطيا، وجنّب آلاف الفقراء حرجا كان من الممكن أنْ يقعوا فيه.

وللتوضيح، وزّعت إحدى الجمعيات الدينية في بداية الشهر الفضيل، مطبوعة صغيرة مستوردة من دولة مجاورة، عنوانها «إنّ الشرك لظلم عظيم»، وكاتبها مجهول. ولم تكن الأسئلة عن الصيام والمفطرات وأوقات الإمساك والإفطار كما تقتضي المناسبة، وإنما عن قضايا فقهية خلافية بين مذاهب المسلمين، لم تحسم طوال 14 قرنا، ويريد الكاتب باسمه المستعار أنْ يحسمها برأي قاطع بحسب فتاوى مشايخه، والتي من شأنها إخراج أغلبية المسلمين السنة والشيعة، من دينهم ودمغهم بالشرك والكفر، على امتداد المعمورة بين جزائر أندونيسيا إلى العراق وتركيا والمغرب والسنغال.

من هذه القضايا الخلافية: «هل يجوز أكل اللحم الذي يُذبح لمولد النبي (ص) وغيره من الموالد؟ ويتبرّع بالإجابة قائلا: «ما ذبح لمولد نبي أو ولي تعظيما له فهو مما ذُبح لغير الله، وذلك شرك ولا يجوز الأكل منه».

ولأننا في عصرٍ لم يعد يسمح لأحد كائنا من كان، أنْ يفرض مذهبه أو فكره أو معتقداته على الآخرين، أو المطالبة بإقصائهم أو إزهاق أرواحهم إشباعا لشهوة سفك الدماء، فإنّ مثل هذه المواقف الشاذة لن تعمل إلاّ على بعث الخلافات القديمة في قوالب عصرية مستحدثة، مرة في صورة مطبوعات فاخرة أو فضائيات منغلقة، أو دعاة يلبسون ربطات عنق، ولكنهم يحملون عقليات مشايخ القرون الوسطى.

المعاودة أعلم الناس بهذا الواقع المر، الذي يستفيد منه المحتل الأجنبي في فلسطين والعراق وأفغانستان، فهو ممن أصابته سهام التكفير. ولذلك ربما بادر إلى قطع دابر الفتنة، فحمل السكين وباشر في ذبح الأغنام، معلنا بلسان قاطع إنّ هذا العمل العفوي إنما هو «قربة إلى الله وحبا بعاهل البلاد». وليت الشيخ من موقعه، يصحّح للمشتبهين، بأن ما يذبح لمولد النبي (ص) إنما هو قربة لله أيضا، وطلبا لرضوانه، بإحياء ذكرى نبي الرحمة المهداة للعالمين، واستجابة لنداء القرآن بأن يعظّموه ويعزّروه ويوقّروه. قُلها ولا تخف... رحم الله والديك.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1851 - الأحد 30 سبتمبر 2007م الموافق 18 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً