العدد 1850 - السبت 29 سبتمبر 2007م الموافق 17 رمضان 1428هـ

العراق ليس ولاية أميركية!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل رأيتم أعجب من هذه العقلية الباغية لدى الولايات المتحدة الأميركية؟ يجلس مشرّعوها ليحدّدوا مصير بلدٍ على بعد آلاف الكيلومترات!

لو تحدّثوا عن مصير أيٍّ من ولاياتهم فذلك شأنهم، أمّا أنْ يجلسوا ليحدّدوا مصير بلد عربي مسلم شقيق، كما يتصرّف أحدهم في بستانه أو مزرعته... فتلك منتهى العربدة وقمة المهازل السياسية.

المفارقة هنا أنّ البلد الذي لا يتجاوز تاريخه السياسي خمس مئة عام، وقامت دعائمه على عظام وجماجم الهنود الحمر، هو الذي يجلس اليوم لمناقشة مصير بلد عمره خمسة آلاف عام. والبلد الذي وضع دستوره قبل مئتي عام فقط، يحدّد مصير أوّل بلد في التاريخ وضع التشريعات والقوانين المدنية وعقوبات السرقة والشعوذة والزنا، وعلّقها على أبواب المدائن.

البلد الذي لم يفلح في وضع قانون للحدّ من الممارسات العنصرية ضد السود إلاّ قبل أربعة عقود، يقترح اليوم قانونا لتفتيت العراق على أساس طائفي وعرقي، وليطلق صافرة البداية لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر!

البلد المتورّط في 80 بالمئة من الحروب الـ (150) المتنقلة في مختلف بقاع الأرض خلال نصف قرن، يضع اليوم أصابع الديناميت لتفجير حرب يقتتل فيها العراقيون، ويخوضون في دماء بعضهم بعضا.

مجلس الشيوخ، يجتمع بقضه وقضيضه؛ ليضع خطة لتقسيم العراق، وتتفتّق عقول «الشيوخ» عن الاتفاق وبأغلبية 75 صوتا ضد 23، على أن التقسيم هو «الحل الوحيد لوضع حد لأعمال العنف»! وما دروا أنه الباب الذي لن يؤدي إطلاقا إلى استقرار العراق، بل سينشر الزلازل في المنطقة كلّها. ولن تتوقف توابعه عند حدود البلدان ذات الامتدادات العرقية كتركيا وإيران، بل سيصل الشرر المتطاير إلى الدول الصغيرة المجاورة، بعد أنْ يأخذ العراق المفتّت بتصدير التفجيرات والمفخّخات والأحزمة الناسفة و«الاستشهاديين العرب» إلى مدائن الخليج المزدهرة بلا استثناء.

الأمانة العامّة لمجلس التعاون انتقدت القرار، وذكّرت بأن الاحتلال الأميركي هو الذي جعل العراق الملاذ الآمن لتنظيم «القاعدة»، ولكن ما لم يذكره البيان هو ما بعد التقسيم، حين يتحوّل العراق إلى دويلات، وستكون أقواها وأعنفها وأكثرها نشاطا بركانيا على حدود متاخمة للأردن وسورية والسعودية.

لا يمكن أنْ نخلي ذمة العرب مما آل إليه الوضع العراقي، مذ تبنّت الفضائيات الكبرى سياسة التحريض على استقرار الوضع الأمني، باسم «الجهاد» و«المقاومة»، بينما تبنّت أغلبية العراقيين خيار التغيير السلمي للأوضاع عبر صناديق الاقتراع، وكلّنا نعرف اليوم نتائج هذا الموقف العربي، الرسمي والشعبي، المتعارض مع تطلعات غالبية العراقيين.

في الوقت نفسه، لا يمكن إخلاء العراقيين من المسئولية عمّا وصل إليه حال بلدهم، حتى أصبح عجينة يحدد مصيرها 75 عجوزا أميركيا متقاعدا عن العمل. وقبل أنْ نلوم الأميركيين على تهوّرهم وغبائهم، نلوم إخواننا العراقيين على عدم التوافق على أولوياتٍ وطنيةٍ جامعةٍ تنقذ البلد من نيران الاقتتال. فبلدٌ متنوّع الطوائف والأعراق، لا يمكن حكمه إلاّ بالتوافق، وهو ما لم يسلّم به أهل العراق حتى الآنَ.

مادام بعض الشيعة يفكّرون في الاستئثار بالسلطة «الجديدة»، وبعض السنة يصرّون على إعادة الاستئثار واسترجاع «الأمجاد» القديمة، والأكراد يفكّرون في العزلة التي تحميهم من شر «الآخر» الكيماوي البشع، في وطن اعتاد التمييز بين أبنائه والتفريط بكرامة مواطنيه، فلا تلوموا الأميركان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1850 - السبت 29 سبتمبر 2007م الموافق 17 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً