من خلال المشاهدات الحالية يتضح بأن سن العنوسة انخفض بدرجة كبيرة وبالتالي ساهم الانخفاض في ازدياد أعداد الفتيات العانسات بصورة رهيبة لدرجة أنه نادرا ما نجد بيتا يخلو من وجود عانس على الأقل، بل أنه في بعض الأحيان تصل نسبة العنوسة في البيت الواحد إلى 100 في المئة، وأحيانا تقل قليلا، ففي السابق الفتاة كانت عندما تصل إلى فوق الثلاثينات فإنها قد وصلت إلى مرحلة العنوسة، حاليا إلى ما هو أقل من ذلك بكثير فالشاب حاليا حتى عندما يكون عمره فوق الثلاثين لا يرغب في الارتباط إلا بشابة لا يتجاوز سنها الخامسة والعشرين عاما كحد أقصى.
بعض الملامح والحيثيات ساهمت بشكل وبآخر في أزدياد أعداد العانسات لعل من أهمها رغبة الفتاة في الولوج إلى الحياة الجامعية، وعندما تدخل هذا الميدان ترفض الارتباط في فترة الدراسة وتفضل الارتباط بعد التخرج من الجامعة وبالتالي تكون قد كبر سنها، الأمر الآخر عندما تتخرج من الجامعة وتصبح حاملة لشهادة جامعية لا تقبل الارتباط إلا بشخص جامعي وبالتالي عليها الانتظار إلى أن يأتيها الفرج أو الدخول إلى قفص العنوسة بدل القفص الذهبي. الفتاة عندما تتخرج من الجامعة وتتوظف وتحصل على راتب فإنها ترفض الكثير من مشروعات الارتباط بسبب الخوف والقلق من الزوج الطماع الشره الذي يطمع في راتبها وبالتالي تتسبب عليها الحياة الجامعية بمشكلة العنوسة.
الفتيات اللواتي لم يحالفهن الحظ والدخول إلى الجامعة يكونن في الغالب غير مرغوب فيهن من قبل الشباب، فهم بطبيعة الحال يفضلونها جامعية حتى وأن كانوا غير ذلك، لأسباب عديدة ليس بالضرورة طمعا في الحصول على راتبها، لكن يريدونها متعلمة مثقفة نوع من الوجاهة الاجتماعية إلى جانب الطمع في مساعدتهم اقتصاديا، حاليا الظروف غير مريحة وبالتالي لا بد من التفكير في سبل مقنعة لتحسين الوضع المعيشي، خصوصا وأن مع وجود راتب الزوج والزوجة فإنه لا يكفي لتوفير الحياة الكريمة.
عندما نسأل فتاة اليوم في أسباب العنوسة تلقي الأعذار على الشاب، وعندما نسأل شاب اليوم عن أسباب العنوسة بدوره يلقي اللوم والعتاب على الشابة، فهي حاليا لا تتجه إلى القنوع بما هو موجود بل تميل إلى البذخ والإسراف أكثر من اللازم.
في السابق نادرا ما نجد معلمة تصل إلى مرحلة العنوسة، فالمعلمات عليهم إقبال شديد، الآن المعلمة عندما يصل سنها إلى الثلاثين تكون فرصها في الزواج قد انتهت، والشاب يحاول الارتباط بها قبل أن تتخرج من الجامعة وتصير معلمة.
الأعجب من كل ذلك الشروط الغريبة التي تضعها الشابة لفارس أحلامها والشروط التي يضعها الشاب لفتاة أحلامه غريبة جدا ولا يمكن الالتقاء أبدا، وكل طرف يتهم الآخر، بل إن الفتاة إذا أصرت على أن يكون زوجها جامعي لكونها جامعية أصبحت مجرمة في نظرهم، ولكنهم عندما يضعون شروطا خارج إطار قدرة الفتاة وبيد الله تعالى لا يتذكرون حينها بأنهم غير محقين في ذلك، كأن يطلبوها بمواصفات جمالية معينة. في السابق كانت الشابة عندما ترتبط فإن زوجها هو من يوفر لها كل أسباب الدلال والراحة، تتدرب على السياقة وتشتري السيارة أيضا كل ذلك على حساب الزوج الخاص، اليوم الشاب يأخذ زوجته جاهزة والأعباء الكبيرة تقع على عاتق الأب والأم، والله يساعدنا ما يكون مصير بناتنا كمصير بنات مصر والهند.
فتاة اليوم أيضا اتكالية لا تستطيع الاعتماد على نفسها بالدرجة الكافية فلا تستطيع أن تتزوج على سبيل المثال من شخص وضعه الوظيفي غير مستقر بمعنى أنه ربما يعمل في البحرين ويضطره الأمر إلى السفر كثيرا، وبالتالي لا تفضل الارتباط بهذا الصنف.
وأمام هذا كله نجد فعلا أن النسبة في ارتفاع مستمر، ويعز علينا أن نجد فتاة جامعية جميلة وذات خلق كريم أن تبقى في بيت والدها إلى أجل غير مسمى خصوصا عندما تصل إلى سن الثلاثين، ويصعب علينا أيضا استيعاب شابة أخرى لم يحالفها الحظ في الدخول إلى الحرم الجامعي ربما لأسباب اجتماعية أو اقتصادية وبالتالي عليها أن تبقى أسيرة المنزل، لكونها غير مرغوبة من جانب الشاب، ويعز علينا بطبيعة الحال مآسي الكثير من القصص التي نسمعها وبتنا نتقزز منها عندما نسمع أن فلانا تزوج من فلانة طمعا في راتبها فقد سيطر على بطاقتها الائتمانية، ونشعر بالظلم عندما نجد أن فلانا قد اشترى أرضا أو بيتا أو أي عقار آخر من راتب فلانة ولكنه سجله باسمه وبعد ردح من الزمن طلقها أو رماها في بيت والدها، أو اتجه آخر إلى الزواج من غير البحرينية طمعا في الرخص، والتعقيدات الميدانية التي لا حصر لها، جراء العالم المادي الذي لا حدود لإمكاناته.
هذا الهاجس يلقي بظلاله الكبير على نفسيات الكثير من الفتيات بل الكثير من الأسر والعوائل، لا سيما العوائل التي عاصرت حوادث كهذه كل ذلك يساهم بشكل أو بآخر على ارتفاع أسهم العنوسة.
علينا من جديد أن نعيد النظر في الكثير من الأسباب بغرض التقليل من نسبة العنوسة وبالتالي الوقاية من الأمراض الاجتماعية التي تسببها، فهل لنا أن نفكر في مشروعات حقيقية تعكس أهدافا اجتماعية بعد أن شعرنا بالتخمة من الملفات السياسية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1850 - السبت 29 سبتمبر 2007م الموافق 17 رمضان 1428هـ