العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ

ضرورة إصلاح الوضع الوظيفي والعمالي

سوق العمل في البحرين

علي ربيعة comments [at] alwasatnews.com

لا أعتقد أن هناك من يعترض على الرأي القائل بحق حكومة البحرين في أن تفتح الباب من أجل استيراد ما تحتاج إليه من عمالة اجنبية في حال اقتناعها بأن هذه العمالة المستوردة اصبحت ضرورية لخدمة اقتصادها. فالعمالة الفنية والخبرة المتخصصة مطلوبة من اجل سد النقص في المجالات الحيوية كافة الصناعية منها والمالية والخدماتية وبما يخدم اقتصادنا الوطني.

فالولايات المتحدة وهي أغنى دولة في العالم وأكثر تقدما من حيث التكنولوجيا وثورة المعلومات دأبت ومنذ عقود من الزمن على اغراء العقول من شتى انحاء العالم. كما وضعت المانيا في الآونة الاخيرة خطة سنوية لاستيراد العمالة الفنية والماهرة من الهند تلك العمالة المتخصصة في صناعة البرامج للحاسوب الآلي.

لكن اعتراضنا بطبيعة الحال ينصب وبقوة على فتح الباب على مصراعيه لاستيراد هذا الكم الهائل والعشوائي من العمالة الاجنبية غير المدربة التي لم تكن البلاد في حاجة اليها ما ألحق الضرر بعمالتنا الوطنية وباقتصادنا وأمننا الاجتماعي وذلك من اجل صالح تلك الطبقة الطفيلية التي تقتات على استثمار هذا العنصر البشري الرخيص.

اننا نعترض وبشدة على تلك السياسة التي أدت إلى اغراق السوق بالعمالة الاجنبية وتحويل البحرين إلى ورشة عمل لتدريب الاجانب على الاعمال المهنية والخدماتية كافة من أجل احلالهم محل العمالة الوطنية.

هذه السياسة التي نتج عنها تفاقم أزمة البطالة وتحولها إلى قنبلة موقوتة ما انفكت تفجر الحوادث الاجتماعية والسياسية بين الفينة والفينة على مرأى ومسمع الجهات المسئولة التي يبدو أنها لا ترغب في استصدار قرار سياسي بمعالجة هذه المشكلة المستفحلة.

ولأن البطالة في البحرين بطالة مصطنعة بحكم وجود جيش من العمالة الاجنبية تعداده مئتا ألف ويحتل كل المواقع الانتاجية والخدماتية فان السؤال المشروع هو: متى تحصل وزارة العمل على القرار السياسي الذي يطلق يدها في اتخاذ الاجراءات كافة الكفيلة بتطبيق سياسة البحرنة؟

ومن المفارقات العجيبة أن القرار السياسي كان مغيبا عن وزارة العمل حتى ابان فترة التجربة البرلمانية الاولى. فعندما اندلعت موجة الاضرابات في بداية العام 1974 وبلغ عددها 27 اضرابا تنبه المجلس الوطني إلى حجم المشكلات العمالية وعلى ضوء ذلك شكل المجلس الوطني آنذاك لجنة برلمانية خاصة لدراسة المشكلات العمالية وأوكل اليها إعداد تقرير كامل حولها. وحتى تنجح هذه اللجنة في مهماتها اعطاها المجلس الوطني كل الصلاحيات التي مكنتها من زيارة خمس وزارات، هي: العمل والصحة والداخلية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية وادارة الجمارك كما قامت بزيارة 25 شركة ومؤسسة شملت شركة بابكو وألبا وطيران الخليج والبرق واللاسلكي وبنك البحرين الوطني وتشارترد بنك.

وبلغ مجمل توصيات اللجنة 29 توصية كان بينها التوصية الخاصة باطلاق حرية التنظيم النقابي وانشاء معهد فني مهني وصناعي على مستوى عال من الناحية الاكاديمية والتكنولوجية تحت اشراف وزارتي التربية والتعليم والعمل والشئون الاجتماعية كما جاء من ضمن توصيات اللجنة رفع المستوى العلمي والنظري والعملي للمتدربين الموجودين حاليا في مدرسة الصناعة والاعتماد على أحدث الآلات في هذا الشأن في حدود الامكانات المالية المتوافرة.

اضافة إلى ذلك اوصت اللجنة بضرورة أن تقيم الحكومة واصحاب الاعمال من الشركات وغيرها علاقاتهم مع العمال مباشرة وبلا وسطاء عمل ايمانا بتحريم المتاجرة بالعنصر الآدمي في البلاد.

كما أوصلت اللجنة بأن تقوم وزارة العمل والشئون الاجتماعية بانشاء مكاتب توظيف في المحرق وجدحفص وكرزكان والرفاع وسترة.

وتكون مهمة هذه المكاتب البحث عن فرص العمل الموجودة والأيدي العاطلة في مناطقها لتشغيلها في المجالات المناسبة.

وقد اشترطت احدى التوصيات بأن تقوم وزارة الداخلية بختم جوازات سفر القادمين إلى البلاد من الاجانب بقصد السياحة أو الزيارة أو العبور بختم ينص على عدم مزاولة العمل في البلاد بأجر أو من دون أجر كما هو متبع في معظم البلدان الاخرى، وأوصت وزارة الداخلية بمراقبة وطرد الاجانب المخالفين لذلك.

وحتى توصيات مجلس الشورى المعين ومقترحاته وأفكاره التي اصدرها في الربع الأخير من العام 2001 (قبل أن يصدر قرار حله) اصطدمت هي الأخرى بعجز الوزارة عن تطبيقها. ولو توافر بعد النظر لدى السلطات المختصة لتم الأخذ بهذه التوصيات والأفكار والآراء التي لا شك ستسهم بشكل كبير في توفير الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

ومع ظاهرة اعتصامات العاطلين عن العمل التي تحدث بشكل متكرر أمام مبنى الوزارة يصبح حديث وزير العمل الجديد عن ربط حل مشكلة البطالة على المدى البعيد بتحقيق نمو اقتصادي بمعدل ما بين 5 و 6 في المئة من اجل استيعاب اليد العاملة التي تدخل السوق حديثا نظريا بعيدا عن الواقع ولا يوجد تفسير له سوى ترحيل الحلول إلى المستقبل غير المنظور. لقد نسي الوزير في خضم الحوادث العمالية ان البحرين لا تشكو من قلة فرص العمل بل أنها تشكو من غياب التخطيط ومن فقدان القرار السياسي من اجل فرض سياسة البحرنة. وما زاد دهشتي واستغرابي هو الحديث الذي أدلى به الوزير الجديد لوكالة «فرانس برس» وتم نشره في الصحافة المحلية في 1 يناير/ كانون الثاني 2003 إذ أعلن وللأسف الشديد أن وزارة العمل لا يمكن أن تكون وكالة توظيف وأنها يجب أن تكون منظما لسوق العمل.

كنت أتوقع من الوزير الجديد أن يتكلم عن وضع استراتيجية متكاملة للبحرنة تبين لنا بالأرقام عدد العاملين الأجانب في كل مهنة ونشاط اقتصادي وأن يطمئننا على قرار الوزارة بربط هذه الأرقام بخطة التدريب في مراكز التدريب ومدارس الصناعة والمعاهد وأن يطمئننا بأن الوزارة عاقدة العزم على التقيد والالتزام بهذه الخطة من أجل تخريج تلك المهن التي تحتاج اليها سوق العمل.

كنت أتطلع إلى أن تبادر وزارة العمل قبل غيرها إلى اعطاء موضوع الحد الأدنى للأجور جل اهتمامها على اعتبار أن الحد الأدنى للأجور هو العامل الاساسي الذي يتحكم في ازدياد حجم العمالة الوطنية ومن دونه لا تتحقق البحرنة في ضوء العرض والطلب والفروقات الكبيرة في الأجور.

وقد كثرت مقترحات الحد الأدنى للأجور في هذه الأيام وآخرها ذلك الاقتراح الذي بدر من أحد اعضاء المجلس الوطني وهو مئتا دينار.

ومع تقديري لحسن النوايا الا أنه وجب لفت نظر المقترحين إلى أن الحد الأدنى للأجور لا يتم احتسابه اعتباطيا وانما يتم احتسابه على أساس كلفة المعيشة. واذا ما قمنا باجراء دراسة أولية لمستوى المعيشة في الوقت الحاضر فاننا سنكتشف أن مبلغ 350 دينارا لا يمكن أن يغطي كلفة المعيشة لعائلة مكونة من زوجين وثلاثة أبناء في ظل هذا التضخم المالي.

وعلى كل من يريد أن يقترح الحد الأدنى للأجور أن يضع في اعتباره أن الهاتف والسيارة والكمبيوتر والانترنت اصبحت جميعها مواد ضرورية في هذا العصر وأنه يجب أن تحتسب ضمن كلفة المعيشة.

وحتى لا تترك وزارة العمل هذا الموضوع المهم والخطير رهنا للتجاذبات السياسية والمزايدات فان المسئولية تقع على عاتقها في مباشرة إعداد هذه الدراسة وفي حال عدم توافر الأرقام والاحصاءات لديها فبامكانها الاستعانة بجهاز الاحصاء فلديه كل الأرقام والاحصاءات التي تخدم هذا الغرض.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة استقدمت خبيرا أميركيا في منتصف الثمانينات أي قبل ما يزيد على 18 عاما لدراسة المشكلات العمالية ومن ضمنها الحد الأدنى للأجور وأنه بعد دراسة مستفيضة لكلفة المعيشة توصل الخبير إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن تعيش عليه عائلة مكونة من خمسة أفراد هو 350 دينارا. لكن وزارة العمل ولأسباب مازلنا نجهلها عمدت إلى التكتم على هذه الدراسة القيمة وأودعتها الأدراج وبإمكان المسئولين في وزارة العمل الرجوع إلى هذه الدراسة من أجل إجراء مقارنة بين كلفة المعيشة في العام 1984 وكلفتها في وقتنا الحاضر.

ونحن نتكلم عن الحد الأدنى للأجور بودنا أن نسأل عن الأسباب والمعايير التي اعتمدتها الوزارة قبل عدة أشهر في تحديد الحد الأدنى بـ 150 دينارا علما بأن مثل هذا القرار الخطير يتعلق بحياة ومستقبل عشرات الآلاف من المواطنين.

وإذا كانت وزارة العمل لا تعي أهمية احتساب كلفة المعيشة باعتبارها مؤشرا اقتصاديا واجتماعيا فإنه وجب تذكيرها بما كانت تقوم به شركة النفط «بابكو» في الخمسينات والستينات أي قبل ما يزيد على 45 سنة إذ كانت تعكف على احتسابها سنويا، وعلى ضوء دراسة كانت الشركة تقرر نسبة الزيادة السنوية لرواتب الموظفين وفي الوقت نفسه تقوم بمراجعة الحد الأدنى لرواتب الموظفين المستجدين. وبهذه السياسة الحكيمة للأجور نجحت الشركة إلى حد ما في امتصاص نقمة العمال وقللت من فرص التحرك العمالي نحو الاضراب.

لا شك في أن غياب الحد الأدنى للأجور طوال هذه العقود من الزمن انعكست آثاره السلبية على سوق العمالة في البحرين إذ انه شجع على استيراد العمالة الوافدة الرخيصة لترتفع نسبتها من 35 في المئة في العام 1959 إلى 60 في المئة في العام 1991 في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة العمالة الوطنية لتنحدر من 65 في المئة في العام 1959 إلى 40 في المئة في العام 1991.

ويزيد من حجم المشكلة أن التقديرات الرسمية للقوى العاملة للعام 2003 تحمل في طياتها المزيد من التراجع. فبحسب تقديرات وزارة العمل فإن حجم العمالة الوافدة في العام 2002 كانت 200 ألف وهذه تشكل ما نسبته 64 في المئة تقريبا من مجموع حجم العمالة في البلاد في الوقت الذي ستنحدر فيه نسبة العمالة الوطنية إلى 36 في المئة.

ومن هنا فانه إذا ما أردنا أن يتحول الحد الأدنى للأجور أوتوماتيكيا إلى آلية فعالة لكبح استيراد اليد العاملة الأجنبية الرخيصة ويفتح المجال أمام شريحة واسعة من المواطنين ممن اضطرتهم المنافسة غير الشريفة من الأجانب إلى الرجوع إلى ساحة العمل فانه يجب أولا أن يحتسب الحد الأدنى على أساس كلفة المعيشة وأن يتم ثانيا تطبيق الحد الأدنى على جميع العاملين مواطنين وأجانب على حد سواء.

ان هذا العلاج سيكون مؤلما للغاية لأنه سيكلف اقتصادنا الشيء الكثير لكنه في المحصلة النهائية هو العلاج الناجع والوحيد الذي يمكن البناء عليه في المستقبل من أجل الاعتماد على عمالتنا الوطنية. لا شك في أن وجهة النظر هذه سيعترض عليها الكثيرون بحجة عدم قدرة اقتصادنا الوطني على تحمل هذه الأعباء المالية لكنني أقول انه بالإمكان أخذ الدواء جرعة جرعة وعلى فترات متزامنة. ولنأخذ عبرة من دروس الوحدة الألمانية وما ضخته ألمانيا الغربية من مليارات في سبيل توحيد مستوى المعيشة بين الشطرين. وللموضوع بقية

العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً