العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ

محنة المعارضة العراقية

علي العبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

المعارضة العراقية في موقف حرج بعد ان وجدت نفسها تحت تأثير عاملين متعارضين اولهما: ارتباطها بالولايات المتحدة، عدو الامتين العربية الاسلامية، وما ترتب على هذا الارتباط من اعتبارها من قبل كثيرين عميلة للولايات المتحدة. وثانيهما: تجاهل الولايات المتحدة لوجهة نظرها اثناء تخطيطها لمستقبل العراق، ودور القوى الاقليمية في ما يسمى «عراق ما بعد صدام حسين» الذي سيُشكَّل بعد العدوان الاميركي على العراق.

فالمعارضة العراقية التي واجهت نظاما دمويا (قتل بالجملة، بما فيه استخدام اسلحة كيماوية، تهجير، تشريد، قمع وانتهاك للحريات العامة والخاصة) انساقت وراء الوعود الاميركية وقبلت بالتعاون معها لاسقاط نظام الحكم في بغداد وتلقت وعودا بدعم مادي كبير (94 مليون دولار) وسياسي (تسويقها اقليميا ودوليا). وقد أغراها اسقاط الولايات المتحدة لنظام حركة طالبان في افغانستان وقيام تحالف الشمال بدور رأس حربة الهجوم باستنساخ التجربة الافغانية وقبلت بالتحول إلى رأس حربة للهجوم الاميركي المقبل على العراق وأخذت تستعد لساعة الحسم.

غير ان التصورات الاميركية التي راحت تتوارد من واشنطن بشأن «عراق ما بعد صدام حسين» والتي تضمنت افكارا وخططا لحكم العراق من خلال جنرال عسكري اميركي تارة، وجنرال عسكري وآخر مدني تارة أخرى، ووصاية دولية لادارة نفط العراق... ناهيك عما تسرب من اتفاق بين واشنطن وتركيا يسمح للاتراك بادخال قوات كبيرة إلى شمال العراق (كردستان) والسماح لها بضبط ايقاع المنطقة خلال وبعد الحرب، لمنع تطور الوضع الكردي إلى دولة مستقلة او العراق إلى فيدرالية، والسعي إلى تقليص حصة الاكراد الجغرافية بحيث لا تشمل حقول نفط الموصل وكركوك، قد يطلق حركة استقلالية كردية في جنوب شرق تركيا (كردستان تركيا)، وما سرب عن قائمة الـ 2000 شخص بين ضابط وقيادي في حزب البعث الحاكم يمكن الاستعانة بهم لتسهيل اسقاط صدام وتشكيل العراق الجديد، وآخرها حديث زلماي خليل زاد امام مؤتمر المعارضة في صلاح الدين وعدم تطرقه إلى دور المعارضة في «عراق ما بعد صدام حسين» (كانت النيوزويك في 11/2/2003 ذكرت ألا دور لمعارضة الخارج في تشكيل عراق ما بعد صدام حسين) - لم تحدد لها دورا او موقعا واضحا.

كل هذا وضع المعارضة العراقية امام ساعة الحقيقة. لقد تقبلت الدعاية الاميركية بقيام نظام ديمقراطي في العراق فور سقوط نظام صدام حسين، مع ان الخبرة الافغانية قدمت مثلا لما يمكن ان تفعله واشنطن، فقد تم اسقاط نظام حركة طالبان، ولكن النظام الذي حل محلها لايزال هشا وعاجزا عن تحقيق مجرد الاستقرار وفرض ارادته بما يقضي على احتمال عودة نظام طالبان او غيره وسقوط افغانستان في حرب اهلية جديدة. ولم تقدم واشنطن اي وعد بالاستمرار حتى تحقيق الديمقراطية واعادة اعمار البلاد (صرفت واشنطن في حرب افغانستان 13 مليار دولار وقدمت إلى الحكومة الافغانية فقط 10 ملايين دولار) واعلن الرئيس الاميركي «ان بلاده غير مسئولة عن بناء امة في افغانستان». لقد وقعت المعارضة العراقية في خطأ فادح عندما عوّلت على الدور الاميركي في اقامة حكم ديمقراطي في العراق. كما لم تأخذ في الاعتبار قدرتها على التحكم في التطورات خلال وبعد الحرب. إذ هناك احتمال الانزلاق إلى حرب اهلية طائفية وعسكرية، واحتمال تقطع اوصال العراق بفعل التجاذبات الاقليمية والدولية التي ستسعى إلى الحصول على حصة عبر ادوات محلية طائفية او عرقية (قال برجنسكي في كتابه «أميركا بين العصرين» ما معناه ان التقاطع بين قوى غير متوازنة يجعل الثمرة تقع في يد القوى الأكبر). على اية حال لم تذهب المعارضة إلى الجحيم وهي مقيدة بسلاسل من ذهب، لقد ادركت وزنها ودورها فأظهرت ممانعة في مواجهة التصورات الاميركية التي كانت تريدها مجرد لعبة، وتشبثت بخيارها الذاتي، بغض النظر عن رأينا فيه، وهذا اعاد خلط الاوراق ووضعها في مواجهة قوى اقليمية ودولية كبرى، بالاضافة إلى النظام في بغداد، ما سيجعل معركتها صعبة وقاسية ومحفوفة بالمخاطر.

لقد افرزت التطورات المتلاحقة في صفوف دعاة الحرب خطين: الخط الأميركي - البريطاني الذي يريد استعمار العراق تحت مسميات كثيرة. وخط المعارضة العراقية الذي يتضمن فكرة الفيدرالية وتقاسم السلطة وفق مقاييس اثنية ومذهبية. وهذا جعل وصول المعارضة العراقية إلى سدة الحكم هو الخيار الامثل عربيا والأكثر تناغما مع المصالح العراقية والعربية اذ قد يساعد في كبح جماح المخطط الاميركي في استعمار العراق باسم الانتداب او الوصاية الدولية، وفي تجنيب البلاد حربا اهلية على خلفيات طائفية وعرقية تستنزف العراق وتجذب دول الجوار العربية وغير العربية إلى ساحتها، ما يزيد في تفكك النظام الاقليمي العربي وتآكل الأمن القومي العربي.

تستطيع المعارضة العراقية تهدئة مخاوف العراقيين والعرب بطرح تصور واضح يميزها عن التصورات الاميركية من جهة، ومن جهة ثانية يعطي ملامح مشروعها المستقبلي باعتماد ديمقراطية حقيقية عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية وبرلمان انتقالي يضع دستورا جديدا يضمن حقوق المواطنين، والكف عن حديث القصاص، ناهيك عن ضرورة طمأنة دول الجوار العربية وغير العربية عبر ابراز الدور الايجابي الذي سينتهجه العراق الجديد

العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً