انشغلت النخب في بدايات القرن الماضي بالتنظير لمشروعات المقاومة وصد هجمة الاستعمار والسيطرة على مقدرات الأمة. اليوم، بعد قرن من المقاومة والصمود، هل من الممكن أن ندخل القرن الجديد بالأدوات والثقافة ذاتها؟ بسؤال آخر: هل نستطيع بأداوتنا الفكرية (النظرية) والميدانية الدخول إلى عصر الإنتاج والإنسانية، ومقارعة الدول المتقدمة ومنافستها، أي هل تستطيع الأمة أن تدخل عصر النهضة بعد ليل طويل وبيات طال الشتاء والصيف فيه؟! أحد المشروعات المهمة التي تعالج أزمة الأمة وتخلفها عن الركب الحضاري، هي الرؤية المطروحة في مشروع المفكر القطري جاسم السلطان، فهو متفرد ويقدم الحلول لإشكالية التخلف والتقدم التي لازمت الأمة قرون عدة.
يقدم جاسم السلطان مشروعا لنهضة الأمة، بتعريف النهضة على النحو الآتي: هي حركة فكرية عامة، حية منتشرة، تتقدم باستمرار في فضاء القرن، وتطرح الجديد من دون قطيعة مع الماضي. فهي نشاط فكري في المقام الأول، يحدث في مجتمع من المجتمعات، ويقود إلى الانطلاق في مجالات العمل في شتى جوانب الحياة واكتشاف آفاقها، وهذه الحياة الجديدة وهذا التصور الجديد لإمكان الفعل التاريخي، ولإمكان النظر للكون بمنظار جديد، هي السمة الأساسية لما يسمى بعصر النهضة، وهي في الوقت نفسه ليست حركة في أرض منسابة سهلة، بل هي حركة تقودها النخب فتتعرض للاضطهاد والتنكيل والمقاومة كجزء من ضريبة هذا الوضع النهضوي الذي يتحرك فيه المجتمع.
ثم يعرض جاسم أطوار النهضة التي تمر بأربعة أطوار هي: الصحوة، اليقظة، النهضة والحضارة. والأخيرة هي الناتج المادي الملموس في كل المجالات من عمارة وفن وفكر وتصنيع... وهي ثمرة الفعل.
أما بواعث النهضة فهي مأخوذة من التحديات التي تواجهنا كأمة، وهي تحديات التخلف، الاستعمار والتجزئة. والنتيجة الحتمية للتحديات (في الفلسفة) هي الاستجابة والتي تتمثل في النهضة مقابل التخلف، التحرير مقابل الاستعمار والوحدة مقابل التجزئة. ثم يثير مشروع النهضة السؤال الآتي: من أين نبدأ؟ ويجيب: التخلف سبق الاستعمار ولكن الاستعمار كرس التخلف بآلياته المتعددة. وعلى ذلك، فإن أساس مشروع النهضة الذي يقدمه جاسم هو معالجة حالة الاستعمار، وتلك المعالجة تتطلب جهودا ومشروعات أخرى موازية وعاقلة وراشدة.
ومشروع النهضة يتوجه إلى النخب الفكرية وقوى المجتمعات الحية، والمؤسسات الرسمية والحكومات، وعلى ذلك فالمشروع موجه لهذين العنصرين الحيويين في أي مجتمع. كما أن قيادة النهضة، كما يراها جاسم، غير مقتصرة على حزب أو تيار معين، فأهل الفكر والنظر هم قادة المشروع.
ومشروع النهضة يرى استحالة قيام النخب لوحدها من دون تبني الحكومات للمشروع نفسه، وبذلك هو يطرح مسألة التوافق على المشروع، ويشير إلى مثالين مهمين هما اليابان وماليزيا.
ويتطرق المشروع إلى مرحلة «الصحوة» التي تخطتها الأمة، والتي تمثلت في حماس جارف وقلة رشد وجهود تبدو متضاربة أحيانا. والأمة الآن في نهاية مرحلة «الصحوة»، وإن الحاجة ملحة بشأن الانتقال إلى مرحلة «اليقظة»، والتي لا بد أن تستثمر فيها الطاقات وفق رؤية استراتيجية لتندفع الجهود كلها في مسار النهضة.
ومرحلة اليقظة، كما يشير إليها المشروع، تتطلب توظيف الطاقات التي أفرزتها الصحوة وبلورتها في مشروع ورؤية واحدة، نحو أهداف واضحة. حيث يسود الرشد ويقل الإختلاف. فإن اختلفنا فسنجيد فن الاختلاف.
وعن أهداف مرحلة اليقظة، فإنها نقل الأمة من طور الصحوة العاطفي إلى مرحلة اليقظة الراشدة العاقلة حيث يتم تنظيم الجهود العلمية وفق رؤية استراتيجية تجمع كل الطاقات. وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1849 - الجمعة 28 سبتمبر 2007م الموافق 16 رمضان 1428هـ