التطبيق جزء من النظرية

ميشيل فوكو

الصياغة التي خرج بها تشارلس ساندرس بيرس (Charles Sanders Peirce) في مقالته بعنوان: «كيف تجعل أفكارك واضحة». كانت تتلخص في ضرورة أن تكون «قيمة أيما مدرك عقلي تكمن في الأثر العملي الذي ينتجه في التطبيق. بمعنى، أن ترابطا عضويا يوجد بين التنظير والتطبيق».

من هنا كانت أولى التسميات لما عرف لاحقا بـالبراغماتية (pragmatism)، بيرس استعان في تسميته بمفردة «كانط»، وعرف بيرس المذهب البراغماتي بأنه «منهج في النظر يؤدي إلى توضيح الأفكار من خلال تتبع الآثار العملية المتحققة من أيما فكرة أثناء وضعها موضع التنفيذ».

لم يكن للبراغماتية أن تأخذ حقها من التناول المعرفي والاكاديمي إلا على يد وليم جيمس ( James William) في أطروحاته وكتاباته الأكاديمية، أضفى جيمس على المذهب البراغماتي بُعد النفعية المطلقة، فالتطابق المفترض بين النظرية والتطبيق هو محدد بأن يكون تطبيقا نفعيا.

أصر جيمس، على مبدأه الذاهب إلى أن النظريات هي مجرد أدوات بشرية لحل المعظلات والإشكالات الإجتماعية، وأن أداة القياس لنجاعة النظرية هو مرهون في المطلق بما أسماه بالقيمة النقدية cash value التي تجلبها النظرية للصالح العام.

ومن هنا كان للفرنسي دي توكفيل أن يكتب في كتابه «الديمقراطية في أميركا» ملاحظته المهمة «إن الأميركيين أقل الأمم اكتراثا بالفلسفة، مع ذلك، فهم يفكرون ويتصرفون وكأنهم ينطلقوق من رؤية فلسفية مشتركة: إنهم لا يرون لأنفسهم حاجة إلى أخذ الفلسفة من الكتب، ولا لتأطيرها نظريا، ففلسفتهم فيهم يعيشونها في واقع الحياة. مع ذلك، هنالك معالم فلسفية معينة يمكن تشخيصها في مسلك الأميركيين. إنهم يعزفون عن العادات والتقاليد، عن المسلمات الموروثه في الأسر، عن التعميم في الرأي، ولحد ما أيضا، عن التحيز ضد الغير على أساس المنشأ الوطني. في المقابل، هم يتعاملون مع التقاليد كصيغ اجتماعية تخبر عن رؤى أجيال خلت، ويتخذون من الحقائق السائدة جسرا إلى اكتشاف حقائق جديدة تؤدي إلى ابتكارات أحسن. مرجعيتهم في تقصي الأمور وفهمها ذاتية بحتة، تركيزهم على النتائج يطلق اجتهادهم في ابتكار الوسائل، واهتمامهم بالجوهر يبعث لديهم اعتناء بالشكل».