قالت العرب «لكل مقام مقال» وهي تعني بذلك أن الزمان المتغير يفترض على البشرية أن تغير من أسلوب حياتها ومنهجية عملها بما يتوافق مع متغيرات العصر ومتطلباته، ومن أولى الجهات التي يجب أن تواكب التغيرات العصرية، أولو الأمر من واضعي المناهج الدراسية. فمناهج الأمس قد لا تناسب طلبة اليوم، أو على التقدير الأقل، لا يناسب وضعها السابق معطيات المرحلة الراهنة.
منذ بدء هذا العام الدراسي والكثير من أولياء أمور طلبة وطالبات مختلف مدارس البحرين يتذمرون من مقرر يدعى «أسر 101» قالوا إنه سيتسبب في التأثير بشكل كبير على المستوى التحصيلي للطلبة الذين ابتلوا هذا العام به في طبعته التجريبية الأولى التي كانت من نصيبهم.
تتمحور مشكلة هذا المقرر الجديد باعتماده على أساليب كانت تستعمل في الماضي، وأثبتت الدراسات الحديثة فشلها وعدم جدواها، إذ يعتمد هذا المقرر على حشو المعلومات بشكل يطغى فيه الكم على الكيف، بما يجرد الطالب من دوره المنطقي والإيجابي في المناقشة والحوار البناء، فإذا كان معلمو المقرر أنفسهم قد أبدوا استياءهم مرارا من طول المقرر الذي يضطرهم دائما إلى ممارسة دور الملقي المتعجل، بهيئة كم المعلومات المضغوطة التي يجب أن يتلقاها الطلبة على اختلاف مستوياتهم في الوقت ذاته، بمعدل حصتين في الأسبوع، فكيف الحال بالطلبة المطالبين بالاستماع إلى المعلم وفهم ما قاله (إذا تسنى له وقت شرحه) ومن ثم مراجعته، مع الأخذ في الاعتبار أن الطالب لديه مقررات أخرى مطالب فيها بعدد من التكليفات والمهمات الصفية واللاصفية.
بعض المدارس تمكن مدرسوها من المضي في الوحدة الأولى التي تعادل 15 صفحة تقريبا في ظرف حصتين فقط، وهذا الكم (كبير نسبيا... خطير عمليا وتربويا) حتى لو افترضنا الاكتفاء برؤوس الأقلام فقط، فهذا الاستعجال في الطرح غير المتزن لهكذا موضوعات مهمة سيسحب البساط من تحت أطراف المعلمين الذين لن يتمكنوا - قسرا - من التدريس الفعال والمنتج بعد الاستغناء عن الوسائل التعليمية والتكنولوجية، وسيضعهم في إشكال مؤكد يختص بدرجات المشاركة، إذ كيف يمكن للمعلم أن يقيّم مشاركة الطالب إن لم تكن لهذا الطالب فرصة للتعبير عما يريد المشاركة به، وبذلك تزيد الفرصة لقمع المواهب وخنق الطاقات المكبوتة في مهدها، كما سيفتح الباب على مصراعيه للاجتهادات الشخصية في تقييم نسبة مشاركة الطلبة، بما يحيط ذلك بنسب متفاوتة من بعض الظروف السيئة كالمحسوبية أو المحاباة.
وللعلم والتذكير معا... هذا الكتاب التجريبي يزيد على الكتاب السابق بوحدتين هما وحدة «المفهوم الإيجابي للذات» التي تشبه البرمجة العصبية وتقع في 34 صفحة ويجب تدريسها خلال حصتين فقط، وهي التي تعارف الناس على دراستها في دورة قد تستمر شهرا، أما الوحدة الثانية فهي وحدة «بناء الذات» وتشمل مهارة إدارة الوقت ومهارة الاتصال ومهارة اتخاذ القرار، وهذه أيضا لا تقل أهمية عن سابقتها. وهنا أقول إنه ربما كان من أولويات مفهوم الذات وتقديرها أن يعي المرء بما يمتلكه من قدرات يستطيع أن يعبر عنها بحرية مطلقة إلى حد ما، ومقيدة بقيود لابد منها، ولكن ليس منها تلك القيود التي يتسبب فيها انتفاء فرصة المشاركة، وإذا صح ذلك فإن تلك مصيبة كبرى، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه.
هذا الأنموذج السيئ من المقررات التي لم يراع الموجهون فيها معايير توزيع وحداتها على أيام الفصل الدراسي، بما تتضمنه من إجازات طارئة، وظروف الامتحانات، وتعزيز المادة النظرية بالجوانب التطبيقية العملية، وإتاحة الفرص المتكافئة للحوار والمناقشة، لا يمكن أن يسهم في دفع عملية التعليم في المملكة، فزمان رص الكلمات وتلقينها للطلبة من دون مراعاة لكل ما سبق من إحداثيات، زمان ولى واهترى، وإن عاد فإنه لن ينسجم مع موسيقى آلة التطوير التربوي وسيظل دائما طائرا مغردا خارج السرب.
لن أقول كما يقول البعض: «قاعدين على مكاتبهم... ما يدرون عن شي... إيدهم في الماي» بل سأقول: «خلهم مرتاحين على مكاتبهم إذا الشغل ماشي صح من دون ما ينزلون للميدان ويلتقون الطلبة والطالبات والمعلمين» فما ذكرته أعلاه ليس انتقادا للأخوة القائمين على وضع مناهج أبنائنا الطلبة، وإنما هو انتقاد للآلية المتبعة في إعداد المناهج التي لم تراع بحسب هذا الأنموذج (أسر101) الأبجديات الصحيحة في وضع المنهج، التي منها على سبيل المثال فقط، مشاركة أطراف العملية التعليمية التعلمية في تأسيسه قبل إقراره، وهو الأمر الذي يمكن استشفافه الآن باستبانة موضوعية توزع بشكل غير مبرمج على عينة عشوائية من الطلبة والطالبات والمعلمين.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ
صعوبه اسر 101
غدا هو امتحانا الاسر (101) نبيه بسيط مو نفس كل سنه صعب