جاء في الصفحة الأخيرة لصحيفة «الوسط» قبل أيام، خبر تحت عنوان «طرد شرطي من الوظيفة بسبب إساءة معاملة كلب» مفاده «طرد أحد عناصر شرطة ولاية كارولينا الشمالية من الوظيفة بعد أن وجهت إليه تهمة إساءة معاملة أحد الكلاب التابعة للشرطة»، من دون أن نعرف ما هي هذه الإساءة.
هذا شيء عجاب، وما أكثر الأعاجيب في عالم اليوم، من أجل كلب يطرد ضابط شرطة، وربما يقتل أيضا - أي الضابط - ولنتصور أن الشرطي هو المعتدى عليه من قبل الكلب، فما هو الإجراء الذي يتخذ ضده في مثل هذه الحال؟
من خلال استقرائنا لما يجري في عالمنا المعاصر، نرى أن الحيوان - في أكثر من موقع - يحظى باهتمام خاص وحقوق خاصة ورعاية خاصة، ويتمتع بالأمن والأمان في أكثر من مكان، ما لا يحظى أخونا الإنسان بمثله أو جزء منه أبدا، بدليل وجود جمعيات الرفق بالحيوان منتشرة في كثير من الدول، وتحظى بفاعلية أكثر من منظمات حقوق الإنسان.
ولنعد إلى صديقنا «الكلب» لنرى أثر هذا الإجراء التأديبي بشأن الشرطي المسكين، فتشاهد الكلب المدلل وهو يمرق بيننا وقد شمخ بأنفه، وحرك ذيله حركات استعراضية شامتة بالشرطي «غير المؤدب» الذي أهان الكلب إهانة قاسية مع سبق الإصرار والترصد ومن دون أن يراعي حيوانيته المحترمة.
صحيح أن الكلب يضرب به المثل في الوفاء والإخلاص، وهناك مئات القصص التاريخية في هذا الجانب، وهذه واحدة من تلك القصص:
«مر بعض الكتاب بمقبرة فإذا بقبر عليه قبة مكتوب عليها «هذا قبر الكلب»، فمن أحب أن يعلم خبره فليمض إلى قرية كذا وكذا فإن فيها من يخبره، فسأل الرجل عن القرية فدلوه عليها فقصدها فقيل له ما يعلم ذلك إلا شيخ هنا قد جاوز المئة، فسأله... فقال: كان هنا ملك عظيم الشأن «كان يحب التنزه والصيد، وكان له كلب قد رباه لا يفارقه، فخرج يوما إلى بعض متنزهاته وقال لبعض غلمانه قل للطباخ يصلح ثريدة بلبن، فجاءوا باللبن إلى الطباخ ونسي أن يغطيه بشيء واشتغل بالطبخ، فخرجت من بعض الشقوق أفعى فكرعت في ذلك اللبن ومجته في الثريدة والكلب رابض يرى ذلك ولم يجد له حيلة يصل بها إلى الافعى، وكانت هناك جارية زمنة خرساء قد رأت ما صنعت الافعى، ووافى الملك من الصيد آخر النهار فقال: يا غلمان أدركوني بالثريدة، فلما وضعت بين يديه أومأت الخرساء فلم يفهم ما تقول، ونبح الكلب وصاح فلم يلتفت إليه، ولح في الصياح فلم يعلم مراده، فقال للغلمان نحوه عني ومد يده إلى اللبن بعد ما رمى إلى الكلب ما كان يرمي إليه فلم يلتفت الكلب إلى شيء من ذلك ولم يلتفت إلى ثغر الملك فلما رآه يريد أن يضع اللقمة من اللبن في فمه وثب إلى وسط المائدة وأدخل فمه وكرع في اللبن فسقط ميتا وتناثر لحمه وبقى الملك متعجبا من الكلب وفعله فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها وما صنع الكلب، فقال الملك لحاشيته هذا الكلب فداني بنفسه، وقد وجب أن أكافئه، وما يحمله ويدفنه غيري، فدفنه وبنى عليه القبة التي رأيتها.
صحيح أيضا أن المقارنة بين وفاء الكلب ووفاء الإنسان غير واردة، بل أن الإنسان يتعلم من الكلب كيف يكون وفيا ومخلصا، فلا يغدر ولا يخون ولا يمكر.
ورحم الله شوقي إذ قال:
وأودعت إنسانا وكلبا أمانة
فضيعها الإنسان والكلب حافظ
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ