ما حصل في مصر أخيرا من إصدار أحكام مباشرة بالسجن لأربعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية بتهم التطاول على الرئيس حسني مبارك ونجله جمال يعتبر من دون شك مؤشرا خطيرا سواء على حرية الرأي، أو على الوضع المصري الداخلي. ولا شك أنه سيكون لإصدار هذا الحكم الذي لا يزال هناك فرصة أمامه للاستئناف انعكاسات وتأثيرات بالغة الخطورة على الدول العربية وتعاطيها مع هذا النوع من القضايا.
إذ أصدرت إحدى محاكم الجنح المصرية أحكاما بالسجن سنة واحدة مع الشغل على رؤساء تحرير أربع صحف مستقلة بعد أن أدانتهم بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة - وهو المسمى القانوني للتهمة، التي يبدو أنها في الأساس تهمة التطاول على الرئيس المصري ونجله.
وقضت المحكمة بالسجن لكل من رؤساء تحرير صحيفة «الدستور» إبراهيم عيسى و«الفجر» عادل حمودة و«صوت الأمة» وائل الإبراشي ورئيس التحرير السابق لصحيفة «الكرامة» عبدالحليم قنديل.
كما قضت المحكمة بتغريم كل منهم 20 ألف جنيه وكفالة قدرها 10 آلاف جنيه لكل منهم، بعد أن أدان رئيس المحكمة المتهمين الأربعة بموجب المادة 188 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس كل من “ينشر أخبارا كاذبة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة” للبلاد.
وسمحت المحكمة للمتهمين الأربعة بدفع كفالات تبلغ عشرة آلاف جنيه لكل منهم من أجل تفادي حبسهم فيما لو قرروا استئناف الأحكام الصادرة بحقهم.
جاءت الإدانة بعد أن أقام أحد محامي الحزب الحاكم الدعوى ضد رؤساء التحرير الأربعة واتهمهم فيها بإهانة رئيس الجمهورية وقادة الحزب الوطني. إذ برأت المحكمة رؤساء التحرير من تهمة إهانة رئيس الجمهورية وأدانتهم بنشر أخبار كاذبة. وكانت النيابة العامة قد أحالت رئيس تحرير صحيفة “الدستور” اليومية إبراهيم عيسى الى المحكمة في قضية أخرى تتعلق بتهمة نشر أخبار كاذبة عمدا عن صحة الرئيس مبارك، وذلك بعد أن نشرت «الدستور» الشهر الماضي مقالين يتحدثان عن تدهور صحة مبارك بصورة خطيرة وتزايد الشائعات عن وفاته بعد غيابه لفترة عن الساحة.
ولعل للحكم «القاسي» الذي صدر بحق رؤساء التحرير الأربعة أسبابه الموضوعية، فنشر أخبار «يثبت فيما بعد أنها كاذبة» بشأن صحة رئيس البلاد، لا بد أن يكون سببا في خلق بعض التوتر لدى الشارع، وخصوصا في بلد لم تتعود أن تعيش في ظل رئيس آخر منذ 26 عاما. ولكن في المقابل، أن تنشر أربع صحف هذه الأخبار، في بلد من البلاد العربية المعروفة باستحالة الحصول على معلومات من هذا النوع بالنسبة للصحافيين سواء نفيا أو تأكيدا، أمر لا بد من التوقف عنده طويلا. فهل كان يمكن لهذه الصحف أن تتأكد من المعلومات التي وصلت إليها في هذا الشأن ولم تفعل؟ وكيف يمكن بأي شكل أن نثبت سوء نيتها وغرضها في نشر الإشاعات و « الإضرار بالمصلحة العامة» كما يرد في نص التهمة؟
لعله نقاش طال الحديث فيه ولا يزال، وينطبق على كثير من دول العالم الثالث ومنها البحرين، التي انتشرت فيها إشاعة شبيهة جدا منذ وقت قصير، ولم يكن من الممكن التأكد من صحتها.
كيف نتوقع أن يصل الصحافي إلى الحقيقة فينشر معلومات موثوق منها تماما إذا كانت مصادر المعلومات لا تمنحها أصلا مهما بذل هذا الصحافي من جهد؟ وكيف يمكن أن يلام الصحافي على تقصيره إذا كانت هناك الكثير من الأبواب المغلقة التي يستحيل أحيانا اختراقها؟ المسألة نسبية بالطبع، ولكن في النهاية نقول إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع...
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ