تحضر في أرواحنا كالحنين، تطلّ علينا كالوشم، تزورنا كالدماثة، كضوء ينمو في عتمتنا ويغمر فراغاتنا في غيبة اللازمن. تتمدد في عروقنا عند تلاشي الحواجز في سَفَر الذاكرة، نستدعيك لأنك قريب، ننشط في حقولك، نتأمل الصمت والسكينة وحركة الأصوات والهمس، نكون أكثر صدقا مع الذات، أشَدّ وعيا في الأحلام والأسرار، تنشط في ذاكرتنا وهواجسنا فنتصالح مع الخوف والرهبة، نصحو مع الفجر، نكسر حدود المتاهة، ونحمل في أرحامنا بذورك وبريق عيونك، وملمس قلبك، نصلي باتجاه السماء والبحر والوديان والصحارى، وفي ساحات التيه نلجّ المسافات البعيدة، نتذكر تقشفك، ونيران ضميرك، مثل الشظايا، يفتك غيابك بمفاصلنا، يكون أشد إيلاما من ذلك الصمت الكاسر. متشابهون نحن معك، نتقمص الضوضاء ونقترب من باب الجنة، يستحوذ علينا ليلٌ حزين، نفتش عن باب قلعتك وحدود أسوارك، نبحث عن بارقة نحطّم فيها مفارقات الزمن وتناقضات الذات، نتوغّل في أحضانك بعيدا عن حقول الطفيليات، صعودا لنكتشف نقاء الماء، نتطهّر ونتبارك، فنلتحم مع الكون، صوتك المجلجل فينا كقمة جبل؛ يدعونا للقفز والغطس في أعماق من حولنا، بحثا عن كنوزهم، يحذرنا من السقوط في المخاطر، في الهاوية، يدعونا أن نجيد السباحة كي لا نغيب طويلا عن الوعي، ويتجاوزنا شروق الشمس وضياء القمر ورفرفة النوارس، نحن المتشابهون الغرقى الذين لم يفت أوان سباحتنا، واندمال جروحنا، نعانقك اليوم في سراديب العشب الأخضر، صوتك يلازم رحلتنا بلا انقطاع، لم يرتجف، وعندما تتعب أبصارنا وترهق عقولنا، نستحضرك كما الدماثة، كحبات اللؤلؤ فتضاء لنا مساحات العتمة، ونصلي معا، نصلي أبدا للحب والسكينة والسلام، نصلي لشفائك العاجل وحضورك. “آمين”! وكل عام وأنتم بخير!.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ