هنا فقط، يقف المواطنون والمقيمون ليأخذوا «التذاكر» أمام مقصلة الجزارين. هم من يقفون في سلسلة طويلة أمام الجزار وليست الخراف، تلك مفارقة عجيبة شهدتها، فرفضت أن أقف في الدور.
الحصة المقررة في اشتراكية اللحم الجديدة في البحرين هي ثلاثة كيلوات من اللحم الهندي/ الباكستاني/ الأسترالي/ النيوزلندي. لم ترحم اشتراكية اللحم توسلات رجل كان يطلب بإلحاح زيادة حصته لبيت والدته، الاشتراكية في اللحم تعني التساوي في اللحم، وعلى الجميع أن يصطف في السلسلة، فالخراف لا تنتظر!
لم تجد إلحاحات زوجتي في أن أخضع أو أن أقبل الإنضمام للسلسلة، أخبرتها: إن هذا المشهد هو مخالفة لأبسط المسلمات العقلية، لا بد للخراف أن تصطف أمام سكين ذلك الرجل، وليس نحن! ماذا لو قام أحد ما بتصوير المشهد من جانب الخراف، سيكون الوضع مأسويا جدا. وحسمت الأمر قائلا: أنا لن أدخل في هذه المغامرة مقابل أن أتناول بعض قطع من اللحم الهندي أو الباكستاني.
وقبالة اشتراكية اللحم من قبل الأسواق الاستهلاكية الكبرى في البحرين، يبدو المواطنون هم المخطئين في شتى الأحوال، فوزارات الدولة وإداراتها التي تمتاز بالتخطيط السليم والبرمجيات التي تحافظ على استقرار الأسعار قبل كل شيء، فعلت ما هو مستطاع وأكثر. لكن البحرينيين - المصابون بالتخمة، والطمع، والرغبة الشديدة في استهلاك اللحم - لا تتوقف معدلات استهلاكهم للحم عن مستوى معين، فالثراء الفاحش، ومستويات استثماراتهم في شرق الأرض خصوصا، جعلتهم جشعين إلى ذلك الحد الذي أصبح خارج حدود السيطرة، ولا ذنب لوزارات الدولة أو لإداراتها في ذلك، فكما ذكرت إحدى الجهات الرسمية أن البحرينيين كسالى، نضيف لها فوق ذلك، أنهم آكلوا لحم نهمون أيضا.
وخلاف الدعاوى - التي لم يثبتها أحد - أن كميات كبرى من اللحوم البحرينية تباع في السعودية بأسعار أفضل يبقى الواجب الوطني في الحفاظ على البحرينيين من الإصابة بداء الملوك «النقرس»، مهمة وطنية تشكرعليها الجهات المسئولة في الدولة.
وعلى أمل أن تمتد اشتراكية اللحم إلى اشتراكية أخرى للسمك، واشتراكية للفواكه، واشتراكية للخضار، واشتراكية للسيارات، واشتراكية للخبز، واشتراكية للبحر، واشتراكية للهواء، يبقى الحلم بالإشتراكية في الحياة مؤجلا. فالزيادة السكانية في البحرين باتت مزعجة، وعلى الموتى القدامى أن يخلوا أمكنتهم، للموتى الجدد. كما يقول أحدهم.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ