يملك الحاج «عطوة»، ويكنى بـ «أبوأيمن»، (كراج) أسفل إحدى العمارات في أحد أحياء الإسكندرية. يقوم «أبوأيمن» بإيجار الموقف بحسب الزبون ونوعيته؛ كباقي الخدمات التي تقدّم في مصر، فإنّ سعر الإيجار يكون بحسب الزبون ونوعيته! فإن كان من أهل البلد فالسعر يختلف عنه إن كان من «الخلايجة» أو العرب القادمين للاصطياف. إذ «الحسابه تحسب كالمنشار طالع ياكل ونازل ياكل».
الحاج «أبو أيمن» هو إمبراطور بلا منازع، إذ هو متمكّن من رص السيارات في الشارع بأكمله من دون منافسة من أحد، ومن دون أنْ يقول له أحد، كائنا من كان: لا.
إذا كنت تقود سيارتك، فإنك منذ الوهلة الأولى لدخولك الشارع المطل على البحر، والمسيطر عليه من قبل الإمبراطور وجماعته، تشعر برهبة. إذ تلاحقك نظرات جماعة الإمبراطور «عطوة». قد تكون نظرات بعضهم تنم عن عطف على الحال التي ستصل إليها. فالإمبراطور يفرض عليك حصارا شديدا من خلال قيادته لأسطول السيارات الواقفة على اليمين وعلى الشمال، يجبرك هذا الحصار التسليم بما يمليه عليك الإمبراطور من أوامر وتعليمات صارمة بشأن تسعيرات مواقف السيارات! جماعة الإمبراطور تتكون من: بوابي العمارات، بعض النسوة المطلات على الشارع ذاته، بائع سمك «البلطي»، و«المكوجي» والسّباك... باختصار: كلّ من يطل على الشارع هم من جماعة الإمبراطور، والأخير، بلا شك، يقتطع لهم نزرا يسيرا مما تدر عليه سيطرته على مواقف السيارات في الشارع.
الإمبراطور «عطوة» لا ينام أبدا، أو قد ينام ولكن جميع حواسه تعمل بصورة منتظمة، ما عدا سويعة من الصباح الباكر. ينام الإمبراطور وبقربه كلب الحراسة، الذي يزعج القاطنين بالنباح كلما اقتربت ذبابه من أنف الإمبراطور أبوأيمن. والإمبراطور لا ينام إلاّ وبيده سلاح فتاك عبارة عن علبة «بف باف الأخضر». لا يستخدمها إلاّ ضد الذباب الحائم حول جسده، أو الذي يحاول الدخول إلى فمه! «يتشردق» الإمبراطور على كرسي، ويقابله كرسي آخر يضع قدميه عليه.
الإمبراطور «أبوأيمن» ليس حالة شاذة أو خارج السياق العربي والمجتمعات الشرقية، فالسلوك والتصرّفات والذهنية الحاكمة واحدة. سواء أكان الإنسان الشرقي غفيرا أم وزيرا، رئيسا أم ملكا، إمبراطورا كالحاج «عطوة» أم ديناصورا كما هم المعمرون في الوزارات والمؤسسات الرسمية العربية. ولم أعجب من تصرفات الحاج عطوة. فهو نتاج بيئة ممهدة، ليس لولادة المبدعين والثوّار والحقوقيين، بل بيئة ممهدة لولادة وخروج الفراعنة والطواغيت!
جلست أتأمل حركة الإمبراطور وجماعته، ووجدتها لا تختلف عن الأنظمة العربية الحاكمة، إذ يقبض الواحد من الرؤساء على مجموعة من العسس والمخابرات يعملون من أجل تأمين سرقات المال العام للإمبراطور، والأخير يرمي الفتات عليهم مما يجنيه من السلب والنهب... تماما كما هو مجتمع الحي الصغير والشارع المسيطر عليه الحاج «عطوة»، هكذا هو الشارع العربي والمسيطر عليه من الأنظمة العربية. و«هيك حكّام لهيك شارع»!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1831 - الإثنين 10 سبتمبر 2007م الموافق 27 شعبان 1428هـ