العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ

المؤشرات العملانية لساعة الصفر!

قرار البرلمان التركي عرقل الخطط العامة للاستراتيجية الأميركية

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

يقول المفكر السياسي الفرنسي جوليان فرويند عن السياسة الآتي: «تقوم السياسة على مفهوم تحديد من هو العدو، ومن هو الصديق». انطلاقا من هذا التحديد تبرز وسائل التعامل، مع العدو، كما مع الصديق. تشكل الدبلوماسية إلى جانب القوة العسكرية، إحدى أهم وسائل التعامل مع الآخر، كائنا من كان. تعتمد الدبلوماسية على ملكة العقل، الحنكة، الحكمة والرؤيا السليمة. أما القوة فتقوم على الوسائل العسكرية كي تتجسد. لكن الأكيد، أن المزج بين الاثنين بطريقة عقلانية هو من الأمور المهمة. فتحقيق الأهداف من دون استعمال القوة، هو من الوصايا المقدسة التي أوصى بها كل المفكرين الاستراتيجيين عبر التاريخ الإنساني الواعي.

وهذا يعود إلى ضرورة الموازنة بين الأهداف والوسائل، كما دعا كلوزفيتز. فالحرب في طبيعتها وجوهرها مكلفة، حتى ولو أتت بالنصر على العدو. فأميركا المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، دفعت الملايين من القتلى، هذا عدا ما صرف من أموال طائلة. لذلك يبدو قرار الذهاب إلى الحرب من الأمور المعقدة جدا، وهذا يعود إلى أن الحرب هي من ميادين المجهول. الدخول فيها، ليس كالخروج منها، فيها اللامتوقع، وفيها الخاسر والمنتصر. في الحرب، المنتصر مفقود على غيمة النصر، والخاسر يعيد حساباته تحضيرا للمرحلة المقبلة. لكن الأكيد، أن النصر يلغي ويطمس كل الأخطاء، لتنتج الحرب تاريخا يكتبه المنتصر الزاهي. فنحن نقرأ تاريخ المنتصرين فقط، وهنا تكمن المعضلة الكبرى. مهما كان شكل ونوع النظام السياسي لأي بلد، تبقى الحرب في خدمة السياسة وأهدافها. على كل، هكذا قال المفكر العسكري البروسي كارل فون كلوزفيتز: «الحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى».

انطلاقا من هذا المبدأ، أتى القرار السياسي الأميركي بالحرب على العراق مبرما. وكل ما يلزم هو تشريع وقوننة هذا القرار على الصعيد الدولي. وإذا لم ينتشر هذا القرار، فأميركا قادرة على شرعنته، انطلاقا من مبدأ المفكر اليوناني توسيديدس والذي يقوم على: «الحق، هو في القوة ومن خلالها».

بدأت أميركا مسبقا التحضير العسكري، انطلاقا من مبدأ تحديد العدو كما ذكرنا. لكنها حاولت إظهار هذا التحضير، من ضمن صورة ومضمون سياسيين. فأميركا وعبر تاريخها السياسي، تقوم على مبدأ «إخضاع العسكر للسياسة». وهي حددت الأهداف أيضا، ضرب العراق لنزع أسلحة الدمار الشامل وتغيير النظام، بهدف تخليص العالم والمحيط من المخاطر المحدقة بهم. لكن الأكيد، وانطلاقا من المبدأ العقلاني أن الهدف السياسي للرئيس جورج بوش يجب، ومن الضروري أن يكون أكثر قيمة وربحا في مردوده، من الاستثمار العسكري والدبلوماسي. فالأكيد، أن الرئيس بوش وإدارته، كانوا قيموا الأرباح والخسائر قبل اتخاذ القرار. والأرباح والخسائر هي ليست فقط في الشق الاقتصادي والعسكري، لا بل هي قد تتعداه إلى الشق المعنوي.

وانعكاس الحرب على صورة أميركا في العالم. فالصورة السلبية، قد تجعل العالم يقلق على أمنه من الخطر الأميركي، فيسعى الى صد هذا الخطر بأية وسيلة ممكنة، إحداها التكتل ضد الـمهيمن. لكننا سنترك هذا الأمر للمستقبل ليجيب عنه، وسنركز الآن على مؤشرات بدء المعركة الحربية الأميركية على العراق، فماذا عنها؟

في الصورة العامة للحرب: أصبح من المؤكد أن الحرب البرية ستقوم على محور طولي، من الشمال باتجاه الجنوب نحو العاصمة بغداد. ومن الجنوب باتجاه الشمال نحو العاصمة بغداد أيضا. هذا بالتزامن مع الحملة الجوية، والكثير من العمليات الخاصة على مراكز الثقل العراقية. في هذه الصورة، تبدو تركيا والكويت مهمتين جدا جدا. فمن دونهما قد يتعطل المشروع الأميركي برمته، لأن البدائل ليست بالأهمية العملانية ذاتها للقوات الأميركية.

ماذا عن مؤشرات الحرب من الجبهة الكويتية؟

- عندما نقول مؤشرات، فإننا نقصد بذلك في تفسير الدلائل العملانية علي مسرح الحرب، والتي قد تنبئنا بقرب أو بعد ساعة الصفر لبدء الحرب. فوجود الآليات المدرعة مثلا إلى جانب الطرق والمسالك المؤدية إلى الجبهة، قد يعني أن العدو يحضر لهجوم ما. كذلك الأمر، عندما ينشر العدو مدفعيته قرب خطوط التماس، هذا يعني أنه يحضر للهجوم. هذا عدا عن نزع الألغام من على محاور التقدم، وطريقة نشر القوى على الجبهة. في الجبهة الكويتية، انتشر الأميركيون منذ فترة طويلة. وهم أقاموا المناطق العسكرية العازلة، بقرار من حكومة الكويت. كما أن الكويت، كانت أغلقت بعض آبار النفط في المناطق الشمالية القريبة من الانتشار العسكري. والأهم، أن القوات الأميركية ومنذ فترة بعيدة، كانت أجرت الكثير من التمرينات والمناورات العسكرية بين قواها المتعددة، بهدف تأقلم هذه القوات مع المحيط العملاني. والمهم في الأمر أيضا، هو موافقة الحكومة الكويتية على كل هذا النشاط العسكري الأميركي. لكن المؤشر الأكبر هو عندما تطلب حكومة الكويت من قوات المراقبة التابعة للأمم المتحدة «UNIKOM»، والموجودة على الحدود الفاصلة بين الكويت والعراق الانسحاب. فهذه القوى كانت تنفيذا لقرار مجلس الأمن ،687 في العام .1991

ماذا عن المؤشرات الميدانية؟

- تحاول قوات الجو الأميركية والإنجليزية عدم السماح للقوات العراقية بتحضير نفسها قبل بدء المعركة. فمن هنا نرى الطيران الأميركي ـ الإنجليزي، ومن وقت إلى آخر يقصف أهدافا عراقية مختارة ومهمة لمرحلة الحرب الكبرى المقبلة إذا وقعت. في 27 فبراير/ شباط، قصفت قوى الجو مراكز اتصالات عراقية متطورة جنوب غربي الموصل. في 26 فبراير، ادعى العراق أن القوات الجوية الأميركية ـ الإنجليزية طلعت أكثر من 64 طلعة جوية في يومين. كذلك الأمر، ضرب مركز للصواريخ، وجهاز رادار متنقل مهمته توجيه الصواريخ البالستية. لذلك، وإذا ما تزايدت وتيرة هذه العمليات الجوية ضد مراكز الثقل العراقية، فهذا يعني أن ساعة الصفر أصبحت قريبة. كذلك الأمر، يمكننا القول إن وجود حاملات الطائرات الأميركية حول المسرح العراقي، هو من المؤشرات لاستكمال الاستعدادات ما قبل الأخيرة. فهناك حاملة الطائرات كيتي هوك في المحيط الهندي، الحاملة لنكولن في البحر العربي قرب اليمن، الحاملة كونستلاشين في الخليج العربي، وأخيرا الحاملة «ت. روزفلت» في البحر المتوسط قبالة الشواطئ اللبنانية.

ماذا عن المؤشرات في الجبهة الشمالية التركية؟

- في الوقت الذي كانت القوات الأميركية تنتظر في البحر قبالة الشواطئ التركية، صوت البرلمان التركي على عدم السماح بالانتشار على الأرض التركية. هذا مع التذكر ان البرلمان نفسه صوت من قبل على السماح لأميركا بتحديث القواعد العسكرية، التي من الممكن أن تستعملها. إنه أمر محير، قد يفسر على الشكل الآتي: أتى التصويت مثل عملية إنقاذ للسياسيين لأن الرأي العالم التركي مناهض تماما للحرب «أكثر من 95 في المئة ضد الحرب». وفي الوقت نفسه، يسمح العسكر التركي، حامي العلمانية في تركيا، للقوات الأميركية باستعمال القواعد التركية. أو قد يصر البرلمان على رفضه، فتكون تركيا قد خسرت حليفا استراتيجيا مهما، قادرا على إنقاذها اقتصاديا. أو قد نشهد انقلابا عسكريا، لكنني استبعد هذا الأمر لأنه قد يعقد الحرب الأميركية أكثر. ما خيارات أميركا في ظل هذا الرفض التركي؟

الجواب عن السؤال يكمن في العامل الجغرافي ـ السياسي للمحيط العراقي. لذلك تبدو الخيارات كالآتي في حال استمر الرفض البرلماني التركي:

1- ان يستمر العسكر التركي في دعم أميركا بمعزل عن الرفض السياسي البرلماني، وهذا الوضع قد يجعل الأرضية الأميركية نوعا ما ضعيفة تجاه شرعية وجودها على الأراضي التركية.

2- ان تنطلق أميركا بحربها بما توفر من قوى جوية أصلا موجودة في تركيا، مع العمل على نقل قوى المظلات إلى الشمال العراقي، واستحداث قواعد عسكرية بسرعة، وبمساعدة الأكراد. مع العلم بأن القوات الأميركية الخاصة، هي أصلا موجودة في الشمال العراقي منذ فترة بعيدة. قد يؤثر هذا الوضع على الخطط الأميركية، لأنها ستبدو محشورة للانتهاء سريعا من الشمال للضغط على العاصمة.

3- ان تنطلق الحملة الجوية الأميركية على الشمال انطلاقا من حاملات الطائرات. وهذا الأمر قد يخلق تعقيدات عملانية لأميركا بسبب بعد الحاملات عن الأهداف العراقية في الشمال.

4- ان تستعيض أميركا عن تركيا بالانطلاق من الأراضي الأردنية. لكن هذا الأمر قد يخلق تعقيدات سياسية للنظام، كما أن اعتبار الأردن قاعدة انطلاق أساسية للانقضاض على الشمال العراقي بدل تركيا، أمرا يتطلب وقتا طويلا، وهذا ما لا تملكه أميركا.

5- الانطلاق فوق الأراضي السورية أمر مستبعد بالتأكيد «انطلاقا من حاملة الطائرات في المتوسط». فالرئيس السوري بشار الأسد دعا في مؤتمر القمة في شرم الشيخ إلي المنع العملاني للقوات الأميركية وهذا قرار يعقد ويصعب الحرب على العراق.

6- الانطلاق من «إسرائيل» أيضا أمر مستبعد لأن الأمر سيبدو وكأنه حرب أميركية ـ إسرائيلية على البلد العربي ـ الإسلامي الثاني بعد أفغانستان.

7- أما الانطلاق في السعودية، فهو أمر مستبعد على الأقل حتى الآن. فالموقف السعودي معروف يقوم على مبدأ منع الحرب وترك الأمر للشرعية الدولية، في الخيارات المذكورة أعلاه كافة، تبقى المعضلة الأميركية في كيفية إيجاد القوى الثقيلة المدرعة داخل الشمال العراقي، وهذا الأمر لا يمكن تأمينه إلا عبر الأراضي التركية بسبب وجود القوات الأميركية داخل المرافئ التركية، اسكندرون مثلا. لذلك نعتقد كما يعتقد المحللون أن الأمر سيحسم تركيا، على الأقل من قبل العسكر لأن الرفض السياسي من قبل البرلمان هو قرار شعبي جدا، فتبدو تركيا في ازدواجية داخلية كما تعودنا عليها، العسكر ضد السياسيين. تركيا عقلانية، تريد مصلحتها، هذا ما كان صرح به رئيس الوزراء التركي في وقت سابق. وهي بحاجة ماسة إلى أميركا وإلى الناتو، لذلك يعتقد أنها ستعود فتقبل بطريقة ما الوجود التركي.

إذا، ومن الناحية التركية، وإذا ما سوي هذا المؤشر، فإننا قد نقول إن آخر الاستعدادات للحرب تكون تأمنت. وما يبقى هو ما سينتج عن مجلس الأمن، وما سيقرره الرئيس بوش بعد أن صرح عدة مرات أنه سيتجاوز هذا المجلس إذا لم يحترم نفسه. فلننتظر.

العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً