أحالت الحكومة إلى مجلس النواب في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي من العام الجاري مرسوما بشأن تعديل مشروع قانون بإنشاء «مجلس الموارد المائية»، ومن المتوقع أن تتم مناقشته في الأشهر المقبلة من الفصل التشريعي الحالي لإقراره. يذكر أنّ مجلس الموارد المائية الذي يراد تفعيله وإعادة النظر في اختصاصاته من خلال المرسوم الذي سيطرح على مجلس النواب قد تم إنشاؤه في العام 1982 بمرسوم أميري (مرسوم أميري بقانون رقم 7/1982) واختصت مهامه وصلاحياته في رسم السياسة المائية، وحماية وتنمية الموارد المائية بما يكفل استدامتها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحسن استغلالها في الأغراض المختلفة، وتنظيم حفر الآبار وتنظيم استخدام المياه الجوفية، وغيرها من الإجراءات الإدارية والتنظيمية. وتم تشكيل المجلس بقرار من مجلس الوزراء (قرار مجلس الوزراء رقم 10/1982) برئاسة سمو رئيس الوزراء وعضوية أربعة وزراء من الوزارات ذات العلاقة (العدل والشئون الإسلامية، والتنمية والصناعة، والصحة، والتجارة والزراعة) ورئيس الهيئة البلدية المركزية.
وقد صدر المرسوم بتشكيل المجلس آنذاك بناء على دراسات مائية شاملة ومستفيضة في العام 1979 قدّمت الكثير من التوصيات الرائدة في مجال سياسات إدارة موارد المياه الجوفية (التي كانت عمليا مصدر المياه الوحيد للبحرين في ذلك الوقت. وإسنادا إلى هذه التوصيات، صدرت الكثير من القوانين والتشريعات المائية مثل التشريعات المتعلقة بتنظيم استعمال المياه الجوفية (مرسوم أميري 12/1980)، وحظر استخراج المياه من خزان الدمام المائي لمدة عامين ليستعيض مستوياته المائية (قرار وزاري رقم 23/1980)، وإلزام ملاك الآبار بتركيب عدادات مياه على آبارهم (قرار وزاري رقم 10/1982). وجاءت التوصية بتشكيل مجلس الموارد المائية كأحد الأمور الرئيسية لدعم فعالية الترتيب المؤسسي المعني بإدارة الموارد المائية وزيادة كفاءته، ليس بهدف التنسيق بين الجهات المتعددة ذات العلاقة باستخدامات المياه فحسب، وإنما بهدف إنشاء جهة تخطيطية مركزية عليا تضع السياسات المائية للبحرين بشكل متكامل وتتابع تنفيذها. ولهذا السبب أسندت رئاسة مجلس الموارد المائية لرئاسة الوزراء، أعلى سلطة تنفيذية في البلد، لضمان الحصول على سياسات مائية شاملة ومتكاملة وكذلك لضمان تنفيذ التشريعات التي سيتم ترجمتها من هذه السياسات.
إلا أنه وللأسف، فإنّ فعالية مجلس الموارد المائية الذي تم تشكيله في العام 1982 في رسم السياسات المائية ومتابعتها وحماية الموارد المائية من الاستنزاف كانت جدا محدودة، ولم يجتمع هذا المجلس إلا أربعة اجتماعات، وتم تحويل معظم صلاحيته فعليا إلى وزارة التجارة والزراعة. ولم يكن حال التشريعات والقوانين المائية التي صدرت أثناء تلك الفترة بأحسن حالا من ذلك، حيث لم يطبّق معظمها لأسباب عدّة لا يسع المجال لذكرها هنا، إلا أنه قد يكون من أهمها ضعف القدرات البشرية والمؤسسية وعدم فعالية الجهة المركزية المسئولة عن إدارة المياه في الدولة. وكما هو معروف فلقد غاب عن قطاع المياه منذ بداية الثمانينات إلى وقتنا الحاضر أي تخطيط استراتيجي متكامل للموارد المائية في المملكة ولم تحظ المياه بوقفة جادة وشاملة من قبل الدولة، وساد في هذه المرحلة التخطيط القطاعي قصير النظر، مع بعض الاجتهادات والمبادرات الشخصية هنا وهناك في محاولة لإصلاح وضع المياه المتدهور باستمرار في البحرين.
والمرسوم المطروح حاليا يهدف إلى تفعيل مجلس الموارد المائية وإعادة تشكيله من الوزارات والجهات ذات العلاقة بالمياه مع بقاء تبعيته لمجلس الوزراء، كما يقوم بتعديل اختصاصات مجلس الموارد المائية السابق بما يتماشى مع المتغيرات والمعطيات التي استجدت على الواقع المائي في المملكة، وينص على أنْْ يتكون المجلس من رئيس ونائب للرئيس وعدد من الأعضاء يصدر بتعيينهم قرار من سمو رئيس مجلس الوزراء، وأنْ تكون مدة المجلس أربع سنوات قابلة للتجديد. وتتلخص الجوانب الإيجابية في المرسوم الجديد في اهتمامه بالجوانب التخطيطية وفي إنشاء لجنة فنية استشارية دائمة تتكون من ممثلين عن الجهات المختصة بالكهرباء والماء والبلديات والأشغال والإسكان والصحة والبيئة والصناعة والتجارة، ومن يراه مجلس الموارد المائية من ذوي الخبرة والاختصاص، وتختص هذه اللجنة بتقديم المشورة الفنية للمجلس وصياغة السياسات والخطط المائية والإشراف على سير العمل والتنسيق بين الجهات المعنية في كلّ ما يختص بمتابعة تنفيذ قرارات وخطط وبرامج المجلس.
ولقد تم تعديل مهمات المجلس الجديد لتكون أكثر وضوحا وتحديدا، لتشمل رسم السياسات والاستراتيجيات المائية ومراقبة تنفيذها للتأكد من سيرها وفق الخطط المرسومة، وتقديم الدعم الكافي للأجهزة التنفيذية المعنية لضمان تنفيذ السياسات الموضوعة، واقتراح التشريعات والقوانين المتعلقة بالموارد المائية، وتفعيل آليات الرقابة على تنفيذها، والتأكد من وجود آليات للتنسيق والتكامل بين مختلف الجهات ذات العلاقة، ومتابعة ومراقبة تنفيذ أنشطة وبرامج وخدمات مشاريع قطاعات المياه كافة بكل مصادرها، وتقديم المشورة الفنية والإدارية لمجلس الوزراء، وزيادة الوعي لدى الأفراد وكافة قطاعات المجتمع بضرورة الحفاظ على الموارد المائية وحسن استخدام المياه.
إلا أن القيام بهذه المهمات يحتاج إلى قدرات بشرية فنية عالية وإمكانيات تقنية متقدمة. ففي حين من السهل وضع الخطوط العريضة للسياسة المائية العامة للمملكة، فإن صوغ الاستراتيجية المائية ووضع خططها المستقبلية سيتطلب وجود متخصصين في اللجنة الفنية الاستشارية من مختلف مجالات المياه وكذلك في مجالات البيئة والاقتصاد والقانون من الوزارات المعنية والجامعات ومعاهد البحوث لتشكيل فرق عمل متعددة التخصصات ومتكاملة، كما سيتطلب ذلك استخدام أحدث المنهجيات والتقنيات المستخدمة في بناء النماذج الإدارية المائية المطلوبة. ولذلك، فإنّ المطلوب إيلاء أهمية خاصة لجانب بناء القدرات الوطنية في مجال التخطيط الاستراتيجي لإدارة الموارد المائية لكي يؤدي المجلس دوره بفعالية، ولرفع كفاءة عملية اتخاذ القرارات فيه، ولضمان استمرارية هذه العملية في المستقبل.
وفي كل الأحوال، يأتي مشروع تفعيل مجلس الموارد المائية ليعطي الكثير من الأمل لمملكة البحرين في إمكانية التعامل مع المشكلات المتفاقمة والمزمنة التي تواجه قطاع المياه، ووضع الحلول المتكاملة بعيدة المدى لتحقيق استدامة الموارد المائية، ولذا، فإنّ تشكيل المجلس وإعطاءه الصلاحيات والإمكانات المطلوبة للقيام بدوره المرجوّ سيكون أحد المعالم المهمة لرصف الطريق نحو التعامل مع مشكلة الندرة المائية في المملكة.
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1829 - السبت 08 سبتمبر 2007م الموافق 25 شعبان 1428هـ