كنا صغارا وكانت «هي» بدايتنا، وقالوا بأننا لن نستطيع أن نفعل شيئا، وقلنا بأننا نستطيع، لا بد أن نستطيع، فلدينا كل شيء، الشباب والعلم والإرادة والجد والاجتهاد، ولدينا « هي» قبل كل شيء... ومرت السنوات، ونضجت « هي» كثيرا بعد كل ما مرت به من خطوب، ونضجنا معها وبها، حتى مرت خمس سنوات، هي عمرها، وعمرنا نحن أيضا في عالم مهنة المتاعب...» الصحافة».
كانت «هي»... «الوسط»، التي تبدأ بتاريخ اليوم عامها السادس على الإصدار، وكنا « نحن» محرروها الشباب. سنوات خمس مرت على صدورها، تغير فيها الكثير، وتغيرت « هي» معها أيضا، لكنها تبقى في النهاية «الوسط»... «وسطنا».
ما زلت أذكر الانتقاد الأقدم الذي وجه إلى «الوسط» منذ صدورها، وإلينا نحن محرروها بشكل مباشر، أذكره لعدة أسباب، أهمها هو بقاء هذا الانتقاد القديم متجددا، على رغم من مرور خمس سنوات على صدور الصحيفة، وتغير الكثير من ظروفها وكوادرها وكتابها. كانت «الوسط» صحيفة الشباب، محرروها من الشباب، مصوروها ومخرجوها وطاقم عملها بأكمله طاقم شاب، وهو أمر لم يرض المتابعين كثيرا، فما الذي تتوقعه من شباب في العشرينات من العمر للتو تخرج بعضهم من الجامعة في بلد تعاظمت المشكلات التي تحتاج إلى كشف، وتعاظمت فيه الحاجة إلى عقول « خارقة» لتكشفه؟ وكيف يمكن أن يثق القراء/المصادر/الجهات الرسمية في هذا الشاب، أو تلك الشابة الذين يدخلون أماكن ما لأول مرة، ويتحدثون عن موضوعات ما لأول مرة، ويكتبون تقاريرهم الصحافية - التي كانت في ذلك الوقت من العام 2002 محط أنظار الجميع- لأول مرة أيضا. كيف يمكن أن يقتنع شارع بأكمله متعطش للمعلومة المختلفة والجديدة والمتميزة بسواعد شابة لم يمرنها العمل الصحافي المحترف، وجاءت هنا لتتعلم، وتبدأ مشوارها المهني بأكمله؟
خمس سنوات مرت على عمر «الوسط» لم يتغير فيها هذا الانتقاد اللاذع كثيرا، فمازال محررو «الوسط» شبابا صغارا في نظر الكثيرين، بل وأدوات يتم تحريكها يمينا وشمالا من دون أن تكون لهم رؤية خاصة مستقلة. غير أن الحقيقة بدت واضحة لكثيرين آخرين ممن تعاملوا مع «الوسط» ومع « شبابها». استطاع هؤلاء التعرف على سر تلك المعادلة الصعبة، السر الخطير الذي يبدو أمامنا واضحا للعيان، غير أننا نأبى أحيانا أن نصدقه، ونصر إصرارا غريبا على إضافة عوامل أخرى « خرافية» عليه حتى يبدو أكثر إثارة وتشويقا. السر في أن هؤلاء الشباب الذين آمنوا جميعا بقيمة مهنة الصحافة، وآمنوا أيضا بمشروع « الوسط»، يمكنهم أن يفعلوا الكثير، ويختصروا بجدارة سنوات طويلة لاكتساب الخبرة الصحافية في بضع سنوات هي عمر «الوسط» ، وفي بضع تجارب « مريرة» هي ما مرت به «الوسط» وما حاربت من أجله.
حرصت «الوسط» على تطبيق مبدأ « النوعية وليس الكمية» منذ الأيام الأولى من إصدارها. نوعية الأخبار، نوعية المحررين، نوعية القضايا المطروحة، كانت كلها الخطوط العريضة التي يتلمسها المحررون والمحررات « الشباب» الذين تمتعوا « بالنوعية» على رغم من سنوات خبرتهم القصيرة « كما».
هكذا كانت هي، وهكذا كانوا فيها... كانت هي على الدوام « الصحيفة الشابة» ، باندفاعها، بإخلاصها، برغبتها في التغيير، بإصرارها اللامحدود عندما تريد تحقيق شيء ما، بقدرتها على التعلم وتبني كل ما هو جديد، بوقوعها في الأخطاء وتعلمها منها، بكل ما في الشباب من قوة، وعطاء ، وحياة.... هكذا كانت، وهكذا كان محرروها الذين لا يعيبهم أبدا كونهم شبابا، بل يزيدهم ذلك فخرا على فخر
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1828 - الجمعة 07 سبتمبر 2007م الموافق 24 شعبان 1428هـ