العدد 1828 - الجمعة 07 سبتمبر 2007م الموافق 24 شعبان 1428هـ

انتشار الاقتتال في العراق يشجع الاحتلال على البقاء

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الغربي نلتقي بالرئيس بوش، الذي لا يكفّ عن إطلاق نصائحه ومواعظه للمسئولين العراقيين في الحكومة والبرلمان والزعماء السياسيين من أجل الانسجام مع سياسته الاحتلالية التي أدّت إلى إرباك موقعه السياسي لدى الرأي العام الأميركي، بما في ذلك مجلسي النواب والشيوخ اللذين يطالبانه بالإسراع بالانسحاب من العراق، في الوقت الذي يعرف العالم كله أنه أخفق حتى في إدارة الاحتلال، وأن زيادة القوات الأميركية لم تستطع أن تحقق الأمن للشعب العراقي، بل إنّ الاحتلال يعمد في حركته الهجومية على أكثر من منطقة إلى قصف المدنيين وقتل النساء والشيوخ والأطفال بحجة اعتقال المتطرفين من دون تدقيق. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن الاستقالات تتتابع من أصدقاء الرئيس بوش، الذين اعتمدهم في التخطيط لسياسته، وهناك أيضا الفساد الإداري الذي يطبع إدارته حتى في وزارة العدل، فقد قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ إن وزارة العدل تحت قيادة بوش، تعرّضت لأزمة خطيرة أفسدت نظام العدل من خلال تعريضه للتأثيرات السياسية، وأمل في أن يكون قرار وزير العدل - في الاستقالة - خطوة في اتجاه معرفة حقيقة مستوى النفوذ السياسي الذي يمارسه هذا البيت الأبيض على وزارة العدل. ونحن نعرف خطورة الفساد في وزارة مسئولة عن حركة العدل في أوضاع الشعب الأميركي على المستويين القانوني والقضائي.

هذا، إضافة إلى الفضائح الكبيرة التي تحدّث عنها الإعلام في نهب ثروة الشعب العراقي من قِبَل قيادات الجيش الأميركي ومسئولي الإدارة في العراق فضلا عن وسائل تعذيب السجناء إلى حدّ القتل، والقصف الجوي الأميركي للمدنيين، ما جعل من الساحة العراقية ساحة يتمثل فيها الإرهاب الأميركي المدني والعسكري في أبشع صوره، في الوقت الذي نعرف بطريقة موثوقة كيف يخطط الاحتلال لأكثر من لقاء مع الإرهابيين التكفيريين والدعوة إلى المصالحة والتفاهم معهم.

وفي المسألة العراقية، نلتقي بالحوادث الدامية التي شهدتها كربلاء، والتي تزامنت مع الاحتفال بولادة الإمام المهدي (عج) والتي مثّلت مأساة جديدة أضيفت لمآسي العراقيين الكبيرة.

إننا ندين هذه الحوادث في شدة، ونعلن أن من انطلق بها وقتل الزوار وأساء إلى قدسية المناسبة والمكان، يتحمل المسئولية الكبرى عن فعلته التي قد تزيدها الحالات العصبية والانفعالية اشتعالا من خلال التخلف في التزام الأشخاص على حساب المبادئ.

إننا نخشى أن تتطور الأمور في أكثر من موقع عراقي بطريقة مماثلة؛ الأمر الذي قد يشجع الاحتلال على البقاء أكثر، بتصوير أن الذين يقودون العملية السياسية والأمنية، لا يستطيعون حماية الشعب العراقي، وليدور الحديث مجددا في أن الذين يتحدثون عن المقدسات، إنّما يتصرفون على أساس تدميرها.

من جانب آخر، فإن الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي وإدارته من خلفه في الحرب ضد الإرهاب، لم تراعِ ظروف الشعوب العربية والإسلامية في مشكلاتها القاسية مع حكامها من حلفاء وعملاء الولايات المتحدة الأميركية، كما لم تراعِ أوضاعها الاقتصادية ومشكلاتها الأمنية والسياسية، فكانت تمارس في مواقعها الضغط والتعسّف والقتل والنهب لثرواتها في سياق التخطيط لحماية أمن أميركا، ممّا قد تمارسه الجهات المتطرفة على طريقة حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، وذلك من دون أن تأبه لأمن تلك البلدان المنكوبة وما يمكن أن تفعله فيها حربها الاستكبارية المجنونة، الأمر الذي جعل تلك الشعوب تستنفر طاقاتها بمختلف الوسائل لمواجهة هذه الحرب المفتعلة المدمّرة لأوضاعها حتى تحوّل الوضع الأمني في أكثر من بلد إلى ساحة للعنف المدبر، بحيث انطلقت المواجهة الشعبية ضد مسئولي الأنظمة المتحالفة مع أميركا، كباكستان التي يتحرك الحكم فيها مع الخطة الأميركية في الحرب على ما يسمى الإرهاب، فيعمل على ملاحقة الأحرار والمعارضين الذين يعارضون السياسة الأميركية، ويريدون لبلدهم أن يكون بلدا حرا في سياسته واقتصاده وأمنه.

وهذا ما لاحظناه في الموقف الأميركي الداعم لـ «إسرائيل» والساعي لتحويلها إلى قوة عسكرية ضاربة في مواجهة العالم العربي والإسلامي، وبالاعتماد على التحالف الاستراتيجي معها لضرب أيّ دولة لا تتحرك وفق مصالحها، كما نسمعه في إمكان هجوم «إسرائيل» على إيران بالتعاون مع أميركا، وإذا كانت أميركا تتحدث عن مؤتمر دولي إقليمي للسلام، فإن الظروف المحيطة به والشروط الإسرائيلية التعجيزية والخضوع العربي لما تريده بشكل وآخر سيؤدي به إلى الفشل الذي ظهرت معالمه في كل لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية مع رئيس وزراء العدو، لأن حكومة العدو لا تريد تقديم أي تنازل لحساب الدولة الفلسطينية التي يراد لها أن تكون مسخا ومن دون أن تحمل عمق الدولة ومعناها.

ومن جانب آخر، فإن بعض المسئولين الأوروبيين يعلن دائما بأنه صديق لـ «إسرائيل» ولن يساوم على أمنها، ولم نسمعه مرة يقول إنه صديق للعرب وللمسلمين وأنه يحترم أمنهم، بل إنه لا يوافق على الضغط على «إسرائيل» لإزالة احتلالها للأراضي المحتلة رافضا لمقاومة الفصائل الفلسطينية، ولاسيما حماس، لأنه لا يريد للشعب الفلسطيني أن يدافع عن حرية بلده وإنسانه. وقد تحدث هذا المسئول عن الصلة بين الإرهاب والإسلام، ولكنه يتغاضى عن إرهاب «إسرائيل» في تشريدها للشعب الفلسطيني والامتناع من حقه في العودة إلى أرضه، كما ينسى أيضا إرهاب أميركا في احتلال العراق وأفغانستان، ويهدد إيران بالعقوبات والقصف إذا خططت للقنبلة النووية، باعتبار أنها أسوأ ما يثقل النظام الدولي، ناسيا القنبلة الذرية الإسرائيلية التي يراد تصويرها وتقديمها للعالم قنبلة سلام، على رغم عدوان «إسرائيل» على المنطقة منذ تأسيسها وتهديدها الدائم للجميع بسلاحها المدمّر.

إن المشكلة لدى أكثر دول الاتحاد الأوروبي أنها تترك لـ «إسرائيل» الحرية في إرباك العالم، ولا تجد للعالم العربي والإسلامي الحق في مواجهة عدوانها على المنطقة كلها، وهذا مما لابد للعرب والمسلمين أن يفهموه بشكل واعٍ لحماية أنفسهم من الواقع العدواني.

أما لبنان، فإن الجميع ينتظرون السفير الأميركي في إجاباته عن الأسئلة التي قدّمت لحكومته بشأن الوضع في لبنان، ولاسيما في مسألة الاستحقاق الرئاسي، كما ينتظرون الوزير الفرنسي ومبادرته التي لاتزال تتحرك من عقدة إلى عقدة، هذا إلى جانب التجاذب السياسي في إيجاد التعقيدات التي تمنع حلّ الأزمة المستحكمة والتراشق بالاتهامات بالوصاية الإقليمية من جانب، والوصاية الدولية من جانب آخر، مع التأكيد على أن يكون الرئيس من فريق سياسي معين لا يثق به الفريق الآخر، إضافة إلى أن الطريقة التي تُدار بها التصريحات التي لا تخلو من كلمات السباب والشتائم وحتى البذاءة تؤدّي إلى التعقيد في العلاقات العربية - العربية من خلال كلمات ينكرها هذا ويثبتها ذاك، وتترك انعكاساتها السلبية على الساحة اللبنانية.

إن هذا الواقع الذي يتمظهر بمظهر الخصوصيات الطائفية ويبتعد عن القيم الأخلاقية والإنسانية، يدل على أن اللبنانيين عموما، فقدوا الانتماء إلى الوطن واستغرقوا في الانتماء إلى الطائفة من جهة، وإلى الخطوط الإقليمية والدولية من جهة أخرى، ولايزال البعض يعمل لإثارة المواطنين في عصبياتهم المذهبية والطائفية والحزبية، وتحويلهم إلى ما يشبه العبودية لهذا الزعيم أو ذاك، بحيث يفقدون حريتهم في التفكير والموقف والحركة، حتى بات الناس يخافون من أن تتحرك عصبيات الزعماء الطائفيين لإيجاد حالةٍ أمنيةٍ سلبية لتلبية حاجاتهم الشخصانية في تأكيد مواقعهم التي تجعل جماعتهم يلهثون وراءهم بالمزيد من الهتاف والتصفيق والتهليل في شكل ساذج، بحيث ينسى الناس أمام هذه العصبيات الانفعالية قضاياهم الحيوية المصيرية، ويعيشون في الغيبوبة السياسية في ظلام المغاور والكهوف التي يصنعها الداخل والخارج، ليستمر لبنان ساحة تفتقد الضوء المستقبلي، وذلك فضلا عن أنها تعيش في نطاق العتمة وافتقادها للكهرباء. ويبقى للفقراء أن يواجهوا حركة الظلام الدامس الذي لا ينتج إلا المزيد من الحرائق في البلد الملتهب سياسيا وفي المنطقة التي تحمل نذر التوتر في المناخات الحارة والملتهبة على أكثر من صعيد.

وأخيرا، إننا نلتقي في هذه الأيام بالذكرى السنوية لتغييب سماحة السيد موسى الصدر، هذه الشخصية الحوارية التي انفتحت على آفاق الوطن والوحدة الوطنية والإسلامية، وعلى حوار الأديان، وكان لها الفضل الكبير في تأسيس حركة المقاومة ضد «إسرائيل».

إننا عندما نعيش ذكراه، نشعر بحجم الخسارة الكبيرة التي تمثّلت في تغييب هذه الشخصية الرسالية، كما نشعر بحجم الجريمة التي أقدم عليها أولئك الذين غيّبوه أو ساهموا في تغييبه وعملوا على إبعاده عن ساحة المواجهة مع العدو، وعن ساحة الوحدة الوطنية والإسلامية... ونريد لجميع المعنيين، سواء كانوا على مستوى الدول أو على مستوى الحركات والأحزاب، وحتى الشعوب، أن يعملوا لكشف مصيره، وفضح كل أولئك الذين ساهموا في ارتكاب هذه الجريمة الكبرى التي لا يكفي أن تصدر بيانات الاستنكار حيالها، بل لابد للدولة أن تتحمل مسئوليتها إزاءها على المستويات العالمية والعربية والمحلية

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1828 - الجمعة 07 سبتمبر 2007م الموافق 24 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً