العدد 1828 - الجمعة 07 سبتمبر 2007م الموافق 24 شعبان 1428هـ

احذروا المنذرين من الخطر السكاني

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

تقرير الأمم المتحدة، «حالة سكّان العالم 2007»، يحذر من أنّ نصف سكّان العالم سوف يسكنون في المدن بحلول العام 2008. صدمة، رعب! لكن هناك نقطة خطيرة في تقرير الأمم المتحدة: إنه يريد إبطاء التمدن من خلال تخفيض معدلات الولادة. المشكلة الوحيدة هي أنه لا يقدّم سببا مقنعا لعمل ذلك.

منذ سنين وصندوق الأمم المتحدة للسكّان يحاول تبرير وجوده عن طريق إصدار تقارير تدّعي بأنه يجب علينا تخفيض معدلات الولادة لتحقيق «التنمية المستدامة». بينما تبدو هذه الأفكار مغرية بالبديهة، إلا أنها غير مدعمة بدليل.

لقد تحسنت معايير المعيشة الكونية في الواقع خلال القرن الماضي بشكل دراماتيكي على رغم أنّ عدد سكّان العالم تضاعف أربع مرات تقريبا. وستستمر هذه المعايير في التحسّن في المعدلات الحالية والمستقبلية للسكّان.

لا حاجة للحكومات في تغيير نمطنا في التكاثر. بالإضافة إلى ذلك، باستثناء البرامج القهرية والمشجوبة أخلاقيا مثل سياسة الطفل الواحد في الصين، ليس واضحا فيما إذا كان باستطاعة السياسات السكانية للحكومة تغيير أعداد البشر على أية حال.

لنبدأ بالفكرة التي نوقشت كثيرا وهي «الاكتظاظ». إذا أخذت الكثافة السكانية مقياسا للاكتظاظ السكاني فإن الهند ورواندا (تزيد كل منها ست مرات عن معدل الكثافة السكانية في العالم) ستكون مؤهلة؛ لأن توصف بـ «المكتظة». لكن بلجيكا «مكتظة» بشكل ملحوظ أكثر من رواندا؛ والبحرين، الدولة الغنية بالنفط، مكتظة أكثر من الهند بثلاث مرات؛ وموناكو، الغنية المتمدنة، أكثر دولة في العالم اكتظاظا بالسكّان، أكثر من المعدل العالمي بـ 700 مرة.

تستحضر أفكار الاكتظاظ والازدحام في معظم العقول صور الأطفال الجياع، والأمراض التي لم تفحص بعد، ظروف المعيشة الحقيرة والأحياء الفقيرة المزدحمة. تلك المشكلات حقيقية في عالم اليوم لكن الاسم المناسب لها هو «الفقر الإنساني».

على رغم أنّ عدد السكان على هذا الكوكب قد ازداد بشكل ملحوظ خلال الـ 200 عام الماضية، فإننا لم ننضب من الموارد، ولن نصبح بالتأكيد أكثر فقرا. انظر إلى «الانفجار السكاني» في القرن العشرين: لقد تضاعفت أعداد البشر بين العام 1900 والعام 2000 أربع مرات، إذ قفز العدد من 1.6 مليار نسمة إلى ستة مليارات، لكن إجمالي الناتج المحلي العالمي للفرد تضاعف خمس مرات خلال الفترة نفسها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الغذاء كان يفوق النمو السكاني بثبات خلال هذه الأعوام نفسها، بينما أصبحت جميع الموارد الطبيعية من النحاس إلى الألمنيوم أرخص سعرا: ويمكن القول أقل ندرة.

هذه الاتجاهات توفر بعض الإجابات لهذا السؤال وهو: لماذا حدث «الانفجار السكاني» في المقام الأوّل؟ لم يكن ذلك بسبب أن البشر أخذوا يتوالدون فجأة كالأرانب، بل كان بسبب أنّ البشر توقفوا أخيرا عن الموت كالذباب. لقد تضاعف المعدل الافتراضي للحياة من ثلاثين عاما تقريبا إلى أكثر من ستين عاما وانخفض معدل الوفيات بين الأطفال بشكل ملحوظ في مختلف أرجاء العالم. فقد واكب انخفاض معدل الوفيات زيادة في عدد السكان، على رغم أنّ معدلات الخصوبة العالمية في تناقص مستمر منذ أعوام الستينيات.

لقد سبب هذا «الانفجار الصحي» «انفجارا سكانيا» ويعود سبب هذه الموجة الصحية المستمرة في جزء كبير منه إلى التحسينات غير الاعتيادية وغير المسبوقة في معايير الحياة المادية وخصوصا على مدى العقود القليلة الماضية، إذ أصبح الغذاء أكثر رخصا واستمرت التكنولوجيا الطبية في التطوّر.

مع ذلك، فإنّ مؤيدي الاستقرار السكاني منزعجون من أنّ الأعداد البشرية ستتضاعف أكثر خلال القرن المقبل ما لم تتخذ الحكومات الإجراء اللازم. لكن خططهم للسيطرة على السكّان من خلال التخطيط العائلي (أي تحديد النسل) المفروض من الدولة ليس لها أساس علمي.

على الصعيد العالمي، لا توجد رابطة سببية بين توافر وسائل منع الحمل ومعدلات الخصوبة - معدل استخدام وسائل منع الحمل في الأردن مطابق للمعدل نفسه في اليابان، لكن معدل الخصوبة في الأردن يفوق معدل الخصوبة في اليابان بثلاث مرات. في العام 1974 وضعت المكسيك برنامجا وطنيا للتخطيط العائلي (تحديد النسل). البرازيل لم تنفذ مثل هذا البرنامج لكن خلال الخمسة والعشرين عاما التي تلت، كانت معدلات الخصوبة في المكسيك والبرازيل متطابقة تقريبا.

الحقيقة هي أنّ التفضيل الأبوي هو العامل المحدد لحجم العائلة بين الناس الأميين في الدول الفقيرة، مثلما هو الوضع بين الناس المتعلمين في الدول الغنية. وعليه، فإنّ الخطط السكانية المضادة للولادة عبثية ما لم تتبع هذه الدول خطى الصين وتفرضه بالإكراه على رغم نتائجه المخيفة.

على أي مستوى دخل مفترض - حتى مستويات الدخول المتدنية - اتجه الأبوان حول العالم نحو خيار العدد الأقل للأطفال منذ أعوام الستينات، وكنتيجة لذلك، ربما يكون عدد سكان العالم أقل بكثير مما يتخيله المنذرون بالخطر السكاني وأن «الاستقرار السكاني العالمي» سيتحقق من دون التدخلات الحكومية الطارئة التي يروجون لها.

لحسن حظ كوكبنا المضطرب، فإنّ «الازدحام السكاني» ليس ذا مشكلة مع استمرار انتشار السياسات المعقولة والصحة والرخاء حول العالم واستمرار التطورات في مجالي الطب والتغذية.

لقد وجدت العبقرية البشرية تاريخيا الإجابات لمشكلات ندرة الموارد، والبشر هم الذين يبتدعون التكنولوجيات التي تتيح لنا توطين أعداد أكبر من البشر على هذا الكوكب.

من خلال تجاهلهم لقدرة الإنسان، يلقي المعادون للولادة اللوم على الفقراء لفقرهم ويروجون لحلول كاذبة. ما يحتاج إليه الفقراء هو الحرية الاقتصادية لكي يتمكنوا من رفع شأنهم وليس خطط الأمم المتحدة العقيمة.

* عضو في لجنة الولايات المتحدة للمساعدة في تحسين الأوضاع المعيشية ومستشار كبير في المجلس الوطني الأميركي للأبحاث الآسيوية، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1828 - الجمعة 07 سبتمبر 2007م الموافق 24 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً