العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ

غلاء المعيشة (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن أحد المداخل الصحيحة لمواجهة أزمة الغلاء هو فهم علاقة التأثر المباشرة بين الغلاء والأجور. هذا الأمر هو أحد العناصر التي قد يختلف حولها المعنيون بين فترة وأخرى عند مناقشة تحديد مكونات الأجر القانونية التي يتوقف عليها احتساب حقوق كل موظف.

ينبع الاختلاف من المصالح الذاتية التي تحدد مصلحة الأطراف التي من صلاحياتها تحديد تلك المكونات، وخصوصا أن حقوقا أخرى تتوقف على هذا التحديد مثل تعويض الصرف من الخدمة أو الأجر الخاضع للاشتراك في الضمان الاجتماعي.

مكونات الأجر مختلفة ومتعددة والأساس في تعددها هو الهدف الذي تمنح من أجله، ومع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية تختلف الأهمية النسبية لمكونات الأجر كما تختلف هذه الأهمية بين قطاع وآخر.

ومن جهتها فان النقابات العمالية تعتبر أن تراكم الخبرة ومرور الزمن على العامل في عمله يتطلبان تعديلا سنويا على أجره وهو المتعارف على تسميته بالزيادة السنوية.

لكن بعيدا عن القضايا التفصيلية، لقد بات من المسلمات أن أحد أهم وأبرز مكونات الأجر هذه الأيام هو غلاء المعيشة، وإذا لم يكن هذا المكون موجودا ضمن هذه المكونات في أية مؤسسة أو شركة فيجب أن يوجد ومن دون أن يكون له تأثير على الزيادة السنوية، وفي هذا السياق وفي خطوة تعكس استيعابا لطبيعة التطور الحاصل في سوق وظروف العمل فإن بعض الشركات والمؤسسات باتت تنفذ هذا البند سواء كان ذلك من خلال اتفاقات جماعية مع النقابات الممثلة لعمالها او من خلال مبادراتها الذاتية بإقرار منح زيادات سنوية على غلاء المعيشة مساوية لمعدل التضخم المعلن من قبل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.

غلاء المعيشة كما ذكر هو أحد أهم مكونات الأجر سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص، وتعديل هذا المكون سنويا بمعدل التضخم نفسه المعلن يعتبر إجراء متوازنا يعكس تفهما لواقع الحال وانسجاما مع متطلباته وفي تأكيد عملي لذلك أعلنت مؤسسة الضمان الاجتماعي توجهها لربط الرواتب التقاعدية بمعدلات التضخم.

ولم يعد خافيا على من يتابع تطور أوضاع الأسواق أن يلمس من دون أدنى عناء جنون الأسعار وارتفاع أسعار الخدمات الذي يلم بالبحرين هذه الأيام لقد أصبح ملحوظا وملموسا ما حصل للأسعار من زيادة واضحة لمست آثارها كل فئات المجتمع بلا استثناء، وبتنا نرى الكل يلقي بتبعات هذا الغلاء على الآخر، والكل يدور في دائرة هذا التملص من المسئولية، ووقع المواطن الضعيف فريسة سائغة في فك أخطبوط الغلاء والغش التجاري في ظل غياب مؤسسات حماية المستهلك.

وبدلا من وضع الحلول الجذرية أومعاقبة المسئول الذي أوصلنا إلى هذا الوضع يتم الترويج لحلول فيها شيء من الغرابة كدعوات الأخذ بسياسة البدائل مثلا، التي تدعو المواطنين إلى البحث عن بدائل كل سلعة واقتناء أقلها سعرا، ما يعني بالتالي دعوة المجتمع إلى البحث عن أدنى مستويات المعيشة بأقل الإيجارات، وفي أدنى الأحياء، ومراجعة أدنى المؤسسات الصحية، والبحث عن أدنى نوع من العلاجات، وغيره الكثير من سياسة البدائل التي ستجر ثروة البلد الحقيقية وهي الإنسان إلى التراجع عن مستواه إلى ما دون ذلك، في وقتٍ يُفترض فيه أن البلد مقبلة على انفتاح اقتصادي ومشروعات اقتصادية عملاقة؛ ما يحمل المواطن على وضع علامات استفهام لا حصر لها بشأن هذا التضادّ الحاصل!

والمطلوب، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يجرى في البحرين استطلاع، في غاية الشفافية، لتحديد معدلات التضخم التي تلم بقطاعات مختلفة ومقارنتها مع متوسط الزيادة في الأجور. إن مثل هذا الاستطلاع ضروري بعد أن أعلنت وألمحت قطاعات مختلفة إلى نيتها رفع أسعار سلعها بعد أن سمعت عن احتمال زيادة في أجور موظفي القطاع العام.

الأخبار المتواترة هذه الأيام عن الزيادات السعرية في مختلف القطاعات يمكن أن نعتبرها تهيئة لنا نحن المستهلكين، لابد أن نعد العدة لمواجهتها، لكن المشكلة ليست في تهيئتنا، المشكلة تكمن في كيفية هذه المواجهة التي لا نعرف لها ملامح ولاسيما في ظل ثبات الأجور وزيادة كلف المعيشة التي يئن تحت وطأتها الجميع من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود بلا استثناء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً