ليس هناك أوجع ولا أطرف ولا أصدق من تعليقات المواطنين، وخصوصا البسطاء منهم، على الموضوعات المثارة في الصحف، عوضا عن الحال اليومي الذي يعيشونه. هي تعليقات من النوع (المضحك/ المبكي)، قد تطلق في كثير من الأحيان على شكل نكت تضحك من حولك، لكننا لو قرأناها بتمعن، وتناولنا كلماتها بشيء من التحليل... والأصح إن نأينا عن جانب «التنكيت» ونظرنا إلى الجانب (الجدي) فيما يقال، لكشفنا الكثير من الخبايا، وبالأصح أيضا لمسنا أوجاع الناس وما يدور في خلدهم.
أحد القراء علق على أخبار انقطاعات الكهرباء المستمرة باللهجة المحلية القروية البسيطة الساخرة، قال: «خير يا طير؟ ويش صاير؟ وانطفت الكهرباء يعني؟ خير يا طير؟ ويش هالفوضى عندكم؟ اتذكروا أجدادكم ما كان عندهم كهرباء بالمولية ولا قالوا شي! سندرتونا. المهم بيوت الهوامير ما تنطفي عليهم، والباقي عادي 11 ساعة لو 11 سنة بلا كهرباء، الغلط منكم إنتون السبب في انقطاع الكهرباء، ليش اتشغلون المكيفات؟ حر يعني؟ رطوبة؟ خففوا من الأكل حتى تضعفون اشوي وما تحسون بالحر. أكلكم اخترب؟ ليش اتحطونه في الثلاجات؟ اشتروه طازج يوميا لو خايفين ما تحصلون لحم؟ البربير والخس يكفون، لازم لحم. خلاص اسكتوا سندرتون راسنا».
قد يضحك التعليق للوهلة الأولى، ولكن بالتدقيق نجد أنه يحمل ألف هم وهم، ووجهة نظر معصومة من الخطأ لو قارناها بواقع الحال. من يتحمل لهيب الحر والرطوبة في زمننا هذا لدقائق عوضا عن ساعات تصل إلى 11 ساعة وأكثر؟! وهذا يرجعك فعلا إلى التفكير في كيف عاش أجدادنا سابقا في بيوت من سعف أو طين وسيلتهم في التهوية «مهفة»، وكيف يحفظون أطعمتهم وليس لديهم ثلاجات؟!
لو طرحنا السؤال على الأجداد، الأحياء منهم الذين ما عادوا يطيقون الحر هذه الأيام مثلنا، ماذا سيكون جوابهم؟ «صدق ما عندنا مكيفات لكن خضار الأرض، والطين اللي يمتص الرطوبة يبرد على أجسادنا. وصدق ما عندنا ثلاجات، لكن فردة تمر وسمك وبمبر وتين ولوز وكنار كانت تغنينا عن الجوع وتعيشنا بصحة وهناء مرتاحين البال والجسد».
اليوم، نحن نزعم التطور، و«نعاير» أجدادنا بالوسائل التكنولوجية التي لم تتوافر لديهم من قبل، ولكن «العبرة في من يضحك أخيرا»، عندنا كهرباء كل يوم تنقطع بالساعات، وتجر وراءها «كوارث»... نعم، كوارث، إذ نحن بالكاد استطعنا توفير لقمة لليوم، وخصوصا مع استعار نار الأسعار التي أكلت «الأخضر واليابس» وما ظل لا حليب ولا طماطم، حتى السمبوسة والجباتي ارتفعت أسعارهما، حتى تأتي «العجوز المكسرة» (الكهرباء) لتقضي على ما تبقى في الثلاجة من «ماجلة» الشهر كله!
ورضينا، بارتفاع الأسعار وسلمنا أمرنا لله، حتى أتتنا «كارثة اللحم» بين مدعوم ورفع الدعم إلى شحه في الأسواق أصلا، وتهديد القصاصيب بالإفلاس، وحرمان المواطنين وهم على أبواب شهر رمضان الكريم من وجبتهم الأساسية «الثريد»... «بإمكانكم تسوونه بالدجاج (واحذروا لا يكون فاسد. لا تشترونه من برادات على شارع البديع اللي كل يوم تنقطع عنه الكهرباء)، أو سووه بالسمك (بس بعد احذروا، لا يكون فاسد هو بعد، أو متسمم من مجاري خليج توبلي)»!
ومن التعليقات، ما يوقظك على حقائق ليس بمقدور أي أحد كشفها، وإن كانت تحتاج إلى دعم وتفنيد، فأحد المشتغلين في تجارة اللحم بعث بحسبة مفادها: «إذا كان الدعم الحكومي السنوي للحم = 9 ملايين، وكما قرأت أن شركات الاستيراد تقوم بتوفير حوالي 800 ذبيحة في اليوم، وبحسب آراء المختصين، فإن سعر شراء الغنم الحي لا يزيد على 20 دينارا للرأس، شاملة النقل، ويكون صافي إنتاجها للحم حوالي 16 إلى 20 كيلوا. 800 ذبيحة في اليوم × 20 دينارا = خمسة ملايين و696 ألفا»! زبدة هذه الحسبة تتلخص في السؤال الذي طرحه صاحبنا: «أين باقي مبلغ الدعم البالغ 9 ملايين دينار؟ أي أن هناك حوالي ثلاثة ملايين دينار ونصف متبقية من الدعم، أين تصرف»؟!
تلك حسبة مواطن لا نعلم مدى صحتها، ولكن جميعنا يطالب بتدعيمها أو نفيها، برد واقعي/ علمي/ ملموس، إذ سئمنا الردود المعلبة التي (لا تضيف جديدا) والتي (تستغفل العقول) حتى قرر الغالبية منا إراحتها (عقولهم) من التفكير، والاستسلام إلى مقولة «كل الأمور سيان»، فكلها (خراب × خراب)، (بوق × بوق)، (فساد × فساد)... «يعني خير يا طير إذا طلع عدنا حرامية لحم، وخير يا طير إذا انقطعت عنا الكهرباء كل يوم، وخير يا طير إذا فطرنا في رمضان على فردة تمر وكاس لبن فقط، على الأقل نحافظ على البقية الباقية من صحتنا اللي دهورها مر الحال».
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1824 - الإثنين 03 سبتمبر 2007م الموافق 20 شعبان 1428هـ