تربط حنة ارندت في كتابها (في العنف) مفردات السلوك البشري عموما بمفردات السلوك الحيواني، قد يكون لها رأي متقدم أتصوره كقراءة فوقية ونقدية تتميز بحلة الواقعية، إلا أن الرابط الإنساني الحيواني ذو أهمية خاصة في دراستها «ما يمكننا أن نعرفه عن ذواتنا إنما يوجد أيضا لدى الحيوانات، وبنسبة أهم بكثير مما كنا نعتقد في بداية الأمر»، ويعلق أريك فون هولست في كتابه (حول الفوارق السيكولوجية بين الحيوان والإنسان) مؤكدا قناعته الخاصة بترابط السلوك البشري الحيواني «لماذا ترانا نحاول أن نكتشف كم ثمة لدى الإنسان من نزعات حيوانية؟، ترى أليس من الواضح أن النزعة الإنسانية والنزعة الحيوانية في علوم السلوك ليسا سوى وجهي (خطأ) واحد؟ أضف إلى هذا أننا نطالب هذا الإنسان بأن يستعير مقاييسه السلوكية من أنواع حيوانية؟ أخشى أن يكون الجواب بسيطا: إنه من السهل بكثير إجراء التجارب على الحيوانات وليس من السهل وضع البشر داخل قفص الاختبار، المشكلة تكمن في أن الإنسان يستطيع أن يغش».
وتسير هذه الشبكة التحليلية تجاه تحليل ظاهرة العنف بأنها سلوك حيواني طبيعي، هناك شبكيات موازية لهذه الشبكة المعرفية كانت تعمل على أصعدة مغايرة، وأن محاولات المهتمين الحثيثة في صدد تحليل ظاهرة العنف الإنسانية وبلورتها فكريا وثقافيا واجتماعيا أصبحت متقدمة إلى حد كبير، كان آخرها الخروج بمصطلح حديث يهتم بدراسة العنف كظاهرة أو علم (polemology).
تستكمل شبكة الربط لتصف العدوانية بأنها حالة انحراف غريزية، وأنها ليست سوى صورة من صور الطبيعة الاعتيادية كالغرائز الجنسية والغذائية، قد تتأثر منظومة الغرائز بعوامل عدة داخلية نفسية أو خارجية إلا انها تبقى ضمن المنظومة الطبيعية بالمقام الأول، هذا التوجه يبرر كل عنف وكل عدوانية بتوصيفه اعتياديا بشريا وليس سوى انحراف غريزي يحمل صفة الطبيعية ولا يشط عنها، ونقرأ في نقد العقل الجدلي لسارتر (الحاجة والشك يشكلان القاعدة المانيكية للأخلاق وللعقل... وضعية يكون فيها كل واحد عنصرا زائدا... حيث كل واحد يكون إزعاجا للآخر) وفي الحقيقة شتان بين أن ترفض الآخر أو أن لا تنتبه له وبين أن تقتله أو تستعبده.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ