تعقيبا على مقال رئيس التحرير المعنون بـ «نحتاج طاقة نووية للبحرين» المنشور في الصفحة الأخيرة في العدد (1816) الصادر بتاريخ 27 أغسطس/آب الجاري، بعث أستاذ الفيزياء بجامعة البحرين وهيب عيسى الناصر ردا على ما جاء في المقال، وما يأتي نص الرد:
الأخ منصور الجمري شكرا على عمودكم بعنوان «نحتاج طاقة نووية للبحرين» وهو يتفق مع تصريح الوكيل المساعد للتخطيط والمشاريع بوزارة الكهرباء والماء خالد بوراشد بأن مسئولين من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وممثلين عن وكالة الطاقة الذرية سيلتقون 24 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في الرياض لمناقشة التقرير الأولي بشأن إمكان بناء مفاعلات نووية في دول المنطقة ومن المتوقع أن يعد تقرير الجدوى الاقتصادية في 5 مارس/ آذار المقبل.
واسمح لي أن أبدي رأيي في هذا الموضوع، وأكرر عدم اتفاقي معكم في هذا الشأن للأسباب الآتية:
1. إن تشييد مفاعل نووي بطاقة 1000 ميغاوات يحتاج إلى وقود نووي لا يقل عن 40 ألف كيلوغرام كل سنتين أو ثلاث، وكل كيلوغرام من هذا الوقود يكلف 1110 دولارات، أي نحتاج إلى نحو 45 مليون دولار كل سنتين للوقود فقط. علما أن المعالجة وإعادة التخصيب ارتفعت كلفتيها من 10 دولارات لوحدة تخصيب إلى 90 دولارا، وبهذا سنبقى أسرى للدول المخصبة تتلاعب بحاجتنا.
2. إن كلفة إنشاء محطة توليد بسعة 1000 ميغاوات تتطلب - على الأقل - 4 مليارات دولار، علما أن أندونسيا وقعت عقدا بنحو 8 مليارات دولار لإنشاء محطة متقدمة متكاملة. كما أن رسوم الترخيص تبلغ نحو 3 ملايين دولار!
3. عدد المفاعلات النووية القائمة هو 440 مفاعلا فقط تنتج 368 غيغاوات (16 في المئة من كهرباء العالم). ولو كانت هذه التقنية آمنة لاستغنت أميركا عن فحمها الملوث، وبريطانيا عن نفطها المستنزف، وكذلك روسيا وألمانيا واليابان، وخصوصا أن أميركا هي رائدة التقنية النووية إذ أنشأت مفاعلها التجريبي في العام 1942. كما أن روسيا هي أول من شيّد مفاعلا نوويا تجاريا في الخمسينات ولكنها أخفقت في فخر الصناعة الروسية (مفاعل شرنوبل) وما حدث من كارثة عالمية.
4. المفاعلات النووية تحتاج الى أيدٍ عاملة تقنية متطورة يتطلب إعدادها في 10 سنوات على الأقل. كما أن الإعداد من الألف إلى الياء يتطلب على الأقل 15 إلى 20 سنة. وإننا نحتاج إلى 5000 عالم نووي متخصص لضمان السيطرة والتحكم والسلامة والتشييد. ويجب أن يكون المفاعل في منطقة لا تقل عن 20 كيلومترا من المناطق السكنية. وفي حال الكارثة يتوجب نقل المقيمين إلى مسافة لا تقل عن 200 كيلومتر! فأين نذهب عندها.
5. هناك مخاطر كثيرة من المخلفات النووية، وخصوصا السائلة والغازية والجسيمات الدقيقة، فإنه سينتهي بها المطاف إلى البحر أو اليابسة، وبذلك نكون ازددنا تلوثا، وهو تلوث فتاك يؤدي إلى السرطانات، فمن سيجرؤ عندها على أكل السمك أو شرب المياه المقطرة؟ علما أن مفاعل كاشي وآزاكي في اليابان - أكبر مفاعل نووي في العالم - عندما تعرض لهزة أرضية بسيطة نسبيا (6.8 على مقياس ريختر) قبل شهر تضرر وتسرب سائل شديد الإشعاع نحو آلاف الليترات في البحر؛ ما جعل المواطنين يعزفون عن أكل السمك والأعشاب البحرية.
كما أن صاحبة المحطة شركة تبكو رفعت كل المعلومات عن الملوثات الناتجة من هذا الضرر من موقعها بعد يومين من الحادث! المحطة متوقفة الآن وسوف لن تفتح إلا بعد سنة ونصف السنة! وإن تطلب الأمر تشييد محطة أخرى فهذه الأرض الحالية لا يمكن استغلالها إلا بعد 50 سنة على الأقل.
6. لا يوجد في البحرين اليورانيوم الخام حتى في دول الخليج، وهذا يجعلنا دولا متوسلة لتلك المزودة بهذا الخام الخطر الملوث والقاتل. فالمتوافر حاليا 3107000 طن والمطلوب سنويا 68357 طنا، ونظرا إلى أن الوقود النووي يستبدل كل سنتين فهذا يعني أن المتوافر يكفي 10 سنوات، وهذا يعني ارتفاع سعر التخصيب وزيادة البلوتونيوم والمخلفات؛ ما يعني كارثة بيئة إذ دفن تلك النفايات ليس آمنا، لهذا السبب طلقت ألمانيا الطاقة النووية وراهنت على الطاقة المتجددة وليست الناضبة.علما أن الكثير من الغازات السامة والمشعة تتسرب جراء التخصيب باستخدام أجهزة الطرد المركزي فلا ندري ماذا يصل إلينا من غازات وملوثات من إيران و «اسرائيل»!
7. إن انشاء مفاعلات نووية يعني تلوثا خطيرا، فمعظم مفاعلات فرنسا على حدود الدول الأخرى، وهي مضطرة لبيع الكهرباء النووية لإنها بذلت أموالا طائلة ربما أكثر مما تستحصلة لكونها اشترت حقوق الماء الثقيل من بريطانيا بالمليارات في الخمسينات! والدليل أن بحر ايرلندا يعد الأكثر تلوثا في العالم بسبب نفايات ومخلفات محطة سيلافيلد في بريطانيا، إلى درجة أن السلطات الأيرلندية وضعت لوحة على سواحلها مكتوب عليها - بالخط العريض - «احذر البحر ملوث جدا». كما أن المواطنين بدأ تزويدهم بأقراص اليود - بوتاسيوم. فهل سنقبل هذا في الخليج عموما وفي البحرين خصوصا؟
8. نحن في البحرين نتجادل على موقع المسلخ (مخلفاته دم وكروش) ومخلفات مصنع رمال (ونحن بحاجة إليه) ومكان تركيب أبراج هواتف نقالة (على رغم أهمية الهاتف النقال) وهناك مطالبات بنقل «بابكو» و «ألبا» والمطار وهي خدمات تهمنا ويعمل فيها بحرينيون مشهود لهم باهتمامهم بالبيئة وحائزون جوائز بيئية عالمية. والسؤال: أين سيتم وضع المفاعل النووي الذي إن حدثت فيه كارثة فهذا يعني موتنا أو عيشنا مشوهين جيلا بعد جيل، أو نعيش لاجئين ضحية لتلك الكهرباء؟
أخي العزيز، الحل يكمن في استغلال طاقة الرياح والشمس؛ فدول الخليج تحتاج إلى إنفاق 700 مليار دولار لتوليد كهرباء من الخلايا الشمسية تعادل الكهرباء المنتجة حاليا (77077 ميغاوات) أو 200 مليار دولار لتوليد الكهرباء من المركزات الشمسية أو 100 مليار دولار عند استخدام طواحين رياح (13000 طاحونة قدرة الواحدة 6 ميغاوات) في عرض البحر يتم تشيدها على طول ساحل الخليج (2222 كيلومترا) - 29 صفا مسافة 500 متر بين توربين وآخر يمتد 11 كيلومترا في عرض الخليج. فالبحرين تحتاج فقط إلى 3.5 في المئة من مساحتها لتأمين كهربائها والسعودية والإمارات 0.1 في المئة وقطر وعمان 0.2 في المئة.
لذلك أتمنى منكم الترويج لاستغلال طاقة دائمة نظيفة ومتوافرة، كما أن الولوج في تصنيع أجهزة الطاقة المتجددة سيشجع على خلق ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة خليجيا، وبهذا سيعكف طلابنا على دراسة العلوم والهندسة بدلا من العزوف عنها إذ إن 5 المئة يدخلون العلوم ونحو 8 في المئة الهندسة في جامعة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "وهيب عيسى الناصر"العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ