كانت تلك أغرب عبارة تناولها رد وزارة العمل على مقال سابق لي بعنوان «عذر أقبح من ذنب» تم نشره في الأسبوعين السابقين، ومصدر غرابتها هو استهتار وزارة العمل للأسف الشديد بعدد الاستمارات التي ألقيت في حاويات القمامة، لقضية عبرت عنها في بداية الأمر ومن خلال تصريحات المسئولين بالوزارة بأنه خطأ إداري وتغير بعد لجنة التحقيق في أن الخطأ أرشيفي لا علاقة له بسير العمل كما تدعيه الوزارة، وعبرت عنها أخيرا بأنها 866 استمارة فقط لا غير من أصل 20 ألفا للمسجلين في مشروع التوظيف الوطني.
لا يهمنا بالدرجة الأساس إن كان الخطأ إداريا أم أرشيفيا. «تعددت الأسباب والموت واحد» ما يهمنا أن مجموعة استمارة لمجموعة عاطلين ألقيت في حاويات القمامة وتناولت الخبر الصحافة المحلية وأصبح الموضوع قضية رأي عام. 866 استمارة أو أقل من ذلك لا يمكن تصغير الموضوع فهو عدد كبير على أية حال ولا يمكن تحجيمه بعدد 866 استمارة؛ لأن على الوزارة أن تبيّن السبب في ذلك حتى لو كانت هناك استمارة واحدة فقط ملقية في حاويات القمامة وعليها أن توضح أسباب الاستبعاد وهذا ما كنت أهدف إليه عند كتابتي مقالي لا بغرض الانتقاص لا سمح الله من حجم الجهود التي بذلتها وزارة العمل والتي لاتزال تبذلها في سبيل إنجاح مشروع التوظيف الوطني ولكن ما أهالني فعلا حجم التخبط الذي تعرض له المسئولون بعد وصول الخبر إلى الصحافة؛ ما أثار حفيظتي وبالتالي شعرت بأن الأعذار كلها التي كتبت أقبح من الذنب نفسه الملقى على وزارة العمل. فأصبحت الوزارة في موقف لا يحسد عليه.
لم أشأ أبدا التعليق على رد الوزارة فالوزارة لها الحق الكامل في الرد والتعليق على الأخبار والمقالات التي تكتب عنها ولكن ما استرعى انتباهي حقا هو التهوين والاستخفاف اللذان شعرت بهما عند قراءتي الرد والأسلوب المنتهج في الكتابة بحسب خبيرة العلاقات العامة بوزارة العمل من جهة، وحجم المكالمات التي انهالت من كل حدب وصوب تفيدني الكثير من الأخبار والمعلومات بشأن مشروع التوظيف الوطني باعتباري صحافية فإني أعتبر جزءا من تلك المكالمات أحد المصادر الصحافية ولا يجب تهميشها أو إقصاؤها أبدا وإلا أكون خسرت الكثير من القراء.
أحد القراء - الذي استفزه رد الوزارة - اتصل مشككا في المعلومات وصدقية قاعدة البيانات التي بحوزة الوزارة عمن يعملون في القطاعين الخاص أو العام إذ أشار إلى أنه يعمل حارسا في إحدى المدارس ومع ذلك تلقى اتصالا مرتين على الأقل من الوزارة يعرضان عليه وظيفة على حين أنه يجيب عليهم أنه في غنى عن الوظائف التي تعرضها عليه لكونه يعمل فعلا في وظيفة حكومية أفضل بكثير من الوظائف الأخرى التي ربما تعرض عليه.
لوزارة العمل أقول لها بكل فخر واعتزاز لكوني أركز بالدرجة الأساس على القضايا الوطنية وأحرص على انتهاج الأسلوب العلمي والموضوعي والوطني عندما أتطرق إلى القضايا الوطنية الأم التي تمس الشرائح الضعيفة التي تحتاج منا إلى كل المساعدة والمساندة: لا أشعر بالحرج أبدا عندما أتطرق إلى ملف العاطلين عن العمل أو أستمع إلى من هم من هذه الشريحة لا يتأثر حينها لا مستواي الأكاديمي ولا الثقافي بل أشعر حينها بأن المستويين الثقافي والأكاديمي اللذين أحظى بهما هما سر تحركي لقضايا الناس، كما يهمني كغيري من الوطنيين والإصلاحيين أن تكون للبحرين الريادة والتطلع الدائم وتحقيق قصب السبق في جميع المشروعات التنموية والاقتصادية ويسعدني أن تكون البحرين هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تضع قانونا منظما للتعطل.
وشخصيا لا أعارضه وسعيدة جدا أني أحد المساهمين فيه من خلال الاستقطاع الشهري فلا أشعر بالتذمر ولا الضيق لأن ذلك أبسط مساعدة من الممكن أن يقدمها أيّنا بهدف إنجاح فرد في المجتمع ومبدئي من أحيا نفسا فقد أحيا الناس جميعا، ولكن ما أخشاه فعلا أن يظل ذلك الهاجس كمسمار جحا نعلق عليه الآمال من دون مراجعة الإجراءات والخطوات وبغض النظر عن النتائج والتداعيات وعلى رغم أن البحرين أصبحت بفضل مشروع وزير العمل ورغبته الصادقة في إنجاح مشروع التأمين ضد التعطل إلا أنه لا يمكننا إخفاء رأي الشارع الذي لايزال مستاء كل الاستياء من الآليات التي استخدمت بغرض جعل المشروع أمرا واقعا على الأرض فـ1 في المئة تم استقطاعها من قطاع الموظفين من دون رضاهم، ونغص على العاطلين وفرحتهم في حصولهم على راتب يسد رمقهم؛ لذلك فلابد لنا من التشديد مرة تلو الأخرى على ضرورة التركيز على النتائج والتداعيات.
على وزارة العمل بعد حادث إلقاء استمارات التسجيل في حاويات القمامة أن تكون أكثر حذرا واحترازا من أي وقت مضى، لعدة أسباب ربما أهونها كيلا يفقد المشروع بريقه وهو لايزال حديث العهد وعليه أن يكلل بالنجاح، كما أود أن أسجل هنا ملاحظة مهمة أرجو من الجميع التوقف عندها. ليس كل ما يحرق القلب ويدميه يعني سياسة فقد سأمنا فعلا من السياسة وتسييس القضايا فليس من الجائز أنه كلما فتحنا فمنا وقلنا حقيقة أو كتبنا مقالا اتهمنا بأنا نسيّس الموضوع. حتى لا نسيسه علينا أن نتدارك الوضع والموقف كيلا نضطر إلى أن نسيسه وبالتالي نتعرض للنجاسة، فالبعض للأسف الشديد لايزال مقتنع أن السياسة نجاسة.
أشكر وزارة العمل على تجاوبها مع المقال وعلى ردها السريع وعلى تفاعلها مع ما يكتب عنها وألومها بدوري لكونها هي الأخرى استخدمت الأسلوب نفسه التي عابت مقالي فيه، فهي الأخرى لم تكن موضوعية؛ لأنها ببساطة ألقت التهم جزافا على رغم أنها كانت تشتكي من الطرح الذي كتب فيه المقال. وأخيرا لا يحق لنا الاستخفاف بحق استمارة واحدة فقط بحق عاطل عن العمل وعلينا أن نشعر بالحياء عندما تكون المحصلة 866 استمارة عندها نستحي أن نقول بعدها فقط نحويا واجتماعيا وثقافيا... والقائمة ربما تطول لتصل حتى سياسيا، فلا نلقي التراب على أعيننا كيلا نحرقها
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ