العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ

الفيل الروسي في غرفة مجموعة الثماني

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

بعد كل الحديث عن إفريقيا وعن التغيرات المناخية وعن التجارة العالمية كموضوعات مركزية لاجتماعات مجموعة الثماني، فإن الفيل في غرفة الطعام قد أطلق بوقه.

آندريه إلاريونوف، المستشار الاقتصادي السابق للرئيس فلاديمير بوتين، أعلن أن قبول مجموعة السبع لروسيا «يدلل على مدى عدم اهتمامها بمصير الحرية والديمقراطية في روسيا». سياسة «الترضية» تلك «من شأنها أن تنال من بقاء المؤسسات الغربية الرئيسية، مثل اقتصاديات السوق والديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان».

في الحقيقة، فإن وجود روسيا ينال من صميم القيم التي تجمّعت الدول الصناعية الديمقراطية السبع معا من أجل الحفاظ عليها، ذلك أن روسيا ليست اقتصادا حرا متقدما كما أنها ليست ديمقراطية: إن ناتجها القومي الاجمالي هو نتيجة لحجمها وليس لكفاءة أدائها، بينما الديمقراطية تتطلب أكثر بكثير من مجرد عقد انتخابات بين الحين والآخر.

اقتصاديا، تملك روسيا ثروات طبيعية هائلة، بيد أن أداءها يكشف النقاب عن عجز مخططيها المركزيين.

لدى موسكو أكبر تجمع لأصحاب ملايين الدولارات في العالم. بيد أن هذه الثروة ما زالت تعتمد على المحسوبية. أصحاب المبادرات في روسيا لا يُشيدون ولا يبيعون منتجاتهم وخدماتهم التي يحتاج إليها الناس فعلا، إنهم يبنون علاقات وثيقة مع الكرملين. كما تحتل روسيا المرتبة 91 في العالم من حيث دخل الفرد من الناتج القومي الإجمالي، أقل كثيرا من دخل الغابون وجنوب إفريقيا وتركيا.

لقد أحبطت الرقابة المركزية النمو على امتداد الاقتصاد الروسي. بل إن إساءة استخدام السلطة هو أمر روتيني: البيروقراطيون الروس غير الخاضعين للمساءلة يجنون ثروات طائلة عن طريق أنظمة عشوائية ومصادرات، ويخضع رجال الأعمال إلى اللجوء إلى الرشوة والتعاملات المُريبة في الخفاء. فبعيدا عن كل عمليات النهب الشهيرة من النفط الذي يملكه الغرب وحقول الغاز، هنالك حشود من الموظفين المتعطشين لطلب الرشوات من جميع صغار التجار. وتُصنف روسيا حاليا في المرتبة 121 ضمن مؤشر منظمة الشفافية العالمية للفساد من مجموع 163 دولة، أي بعد كازخستان، ودرجة واحدة فقط قبل إندونيسيا.

وتنال الرشوة في نظام المحاكم من حقوق المُلكية والعقود، وخصوصا بالنسبة للأجانب، بحيث تُثبط همّة المستثمرين الذين تحتاج روسيا إليهم بشكل كبير. فبالنسبة للروس فإن غياب حكم القانون هو السبب وراء حقيقة أن أكثر من 46 في المئة من دخلهم يأتي مما يُسمى بـ «القطاع غير الرسمي»: غير المُسجل وغير الخاضع للضرائب، ويُعتبر في عداد النشاطات غير القانونية.

كل هذه القصص من سوء الحاكمية تضع روسيا في المرتبة 103 من مجموع 130 بلدا ضمن مؤشر معهدي كيتو الأميركي وفريزر الكندي للحرية الاقتصادية في العالم للعام 2006، أي أسوأ من نيجيريا والصين وبنغلاديش.

أما محطات الراديو والتلفاز والصحف فمعظمها إما مسيطر عليها مباشرة أو تحت تأثير عميق واسع من النظام. ووفق تقديرات صحيفة «موسكو تايمز» فإن النخبة الحاكمة تسيطر على نحو90 في المئة من الأخبار.

روسيا تملك صدقية فنزويللا نفسها لعضوية مجموعة الدول الصناعية! أي الدولة الغنية بالنفط التي يحكمها حزب واحد بقيادة الرئيس هوغو تشافيز، الذي أغلق محطة راديو وتلفزيون كاراكاس.

مجموعة السبع سمحت لروسيا بالانضمام إليها في العام 1998 على أمل أن تغريها إلى تدعيم الديمقراطية وتحرير الاقتصاد في بلادها. بعض منا ممن ذهب إلى احتفالات مجموعة الثماني التي عقدت في روسيا في العام الماضي كان يود أن يُلقى الضوء على قمع النظام واحتكاره لمؤسسات الدولة ومحسوبيته وسياسته الحمائية في الاقتصاد - ناهيكم عن تدخله، في حقبة ما بعد الإمبراطورية السوفياتية، في شئون استقرار ورخاء الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية. لقد فعلنا ذلك، ولكن لم يتغير أي شيء.

وبدلا من استخدام اجتماع السنة الحالية لمجموعة الثماني لعمل الشيء الصحيح ولتقريع روسيا، فإن مسئولي الخارجية الألمانية تحدثوا عن «تحديد الضرر» وهي العبارة الحالية الموازية لما كان يُعرف بسياسة الترضية.

عندما تكون الحكومة حرة في كتابة قوانينها ذاتها، فإن التاريخ يخبرنا بأنها تكون أيضا حرة في انتهاك تلك القوانين. وما لم تعمد مجموعة السبع إلى عكس سياسة الترضية وتطلب من روسيا سلوك مسلك قويم، فإن الفيل الروسي سيظل خارج نطاق السيطرة. إن من مصلحة الجميع مساعدة الشعب الروسي على تحقيق الحرية الاقتصادية والنمو لأن الديمقراطيات المزدهرة هي وحدها التي تؤمن جيران أمناء.

*باحث في شبكة السياسة الدولية في لندن،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً