هكذا كان، ومازال هو حال حظ العراق العاثر منذ العصور القديمة على رغم ما حباه الله من جنات وعيون وأنهار وثروات طبيعية وعقول خلاقة. لا يستقر له كيان ولا تهنأ على أرضه عيشة أو طيب إقامة.
كل القصص التاريخية والحكايات القديمة والكتب الرصينة وما نشهده نحن الآن على أرض الواقع كلها تشير إلى محنة هذه المنطقة الواقعة بين بغداد وحدود العراق الجنوبية إذ كانت ومازالت منذ القدم ممرا للتوسع العسكري الأجنبي أو السطو المسلح اللصوصي من أجل الاستنزاف الاقتصادي والبشري ومسرحا لأفضع جرائم النهب والتدمير والقتل والتنكيل حتى في أفضل الأزمنة في ظل دولة الرحمة للرسالات النبوية رسالة الإسلام المحمدية.
أرض العراق لم يشفع لها دين ولا ملة، باتت في كل عقد من الزمن أرضا منكوبة بأبشع أشكال المحن التي تحل بها بين الآونة والأخرى. محن ليست من فعل زلازل وكوارث طبيعية إنما من فعل بشر تنفجر على حالها من تحت الثرى من الداخل إثر خيانة من صنع أهلها أو قادمة من الثريا من الخارج كلها تكرر المأساة نفسها على أرض العراق من قتل وتدمير وتخريب لأجمل ما أنتجته عقول عباقرة الرجال ومفكري الأجيال العراقية. أزمنة كثيرة استبيحت فيها أرض وعرض العراق ودوّنها التاريخ بأسماء أكابر مجرميها من أمثال هولاكو والتتار وكل من أتصف من أمثالهم بعقلية الحيوان الذي لا يفهم ويعي طبيعة منتج تلك الأرض من الرجال والنساء الذين قهروا في السابق أسود الغاب وفي الحاضر ذئاب الصحاري والثعالب والكلاب وكل من يسئ إلى القيم الإنسانية لسائر البشر على أرضه.
إن العراق كان وسيظل عصيا وعاليا وعليا مهما غدر به الدخلاء من الذين أواهم العراق بين أهلة أو ممن تربص به من حوله لأنه كان ولايزال يحفظ تحت تربته أصل الإنسانية الشماء التي ستنتصر بإذن الله مهما غدر بها الزمن وخانها بطبعه الوثن. ولنكن صريحين هنا بعض الشيء، ماذا سيبقى لنا لنتعلق به بعد العراق للحفاظ على عروبتنا وإسلامنا؟
ونتساءل أيضا: لماذا يُجرم في بلادنا العربية والإسلامية فقط كامل أفراد أي سلطة وهيئاتها ومؤسساتها وشعبها بسبب خلاف شخصي بين من هم على رأس سلطتين هم في الأصل جار؟ ولماذا نستدعي عدوا نعرف تماما أنه سيمنحنا أذكى الأسلحة ويسوقنا جميعا إلى دار الهاوية والفرقة والفتنة المدمرة لنقتتل فيما بيننا؟
إن وجود أولئك الأشرار بيننا وما لم نعِ ونمتثل إلى أمر المولى عز وجل ونستيقن معنى الآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض»(المائدة:51) يعني استمرار الفتنة والاقتتال ويعني كذلك استنزاف خيرات المنطقة ورهنها للغير.
إن عدم الامتثال بهذه الآية يعني أن تظل أعناقنا خاضعة لهم وليستمر مسلسل بتر أطراف الوطن العربي من دون اعتبار لوجودنا على الساحة. فبالأمس ومن دون أدنى مراعاة للدول العربية سواء المجاورة للحدود العراقية أو الجامعة العربية تم تجاهل هذه الأمه كليا في أن يكون لها أي وجود في الترتيبات الأمنية لوضع الخطط الشاملة للمحافظة على أرواح المدنيين من الشعب العراقي، غيبت وكأن الأمر لا يعنيها، وتم من قبل الغزاة دعوة إيران فقط التي فرضت احترامها لأنها لا تتبع أسلوب الموالاة للغرب الذي أهان أمتنا وديننا في سجون أبو غريب وغوانتناموا وغيرها. «نسألك اللهم اللطف بنا».
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 1800 - الجمعة 10 أغسطس 2007م الموافق 26 رجب 1428هـ