كتب المحرر السابق الشهير لصحيفة «وول ستريت جورنال» روبرت بارتلي، بحثا بعنوان «السنوات السبع السمينة»، جاء فيه ما يأتي: «في 26 مارس/ آذار 1976، صاغ هيرب ستاين عبارة أسماها (اقتصادات العرض)».
كانت العبارة جديدة، ولكن مبادئها الأساسية توضحت في مقال نشره جود وانسكي في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1974 بعنوان «حان وقت خفض الضرائب». وفي العام 1977، التحق بروس بارتلت بالعمل مع المرشح للكونغرس جاك كيمب، وأصبح يعرف لاحقا بمروِّج المراحل الأولى لخفض الضرائب في عهد الرئيس ريغان.
وكتب بارتلت أخيرا في صحيفة «نيويورك تايمز» يقول: «مضى وقت طويل كان يتوجب خلاله إسدال الستار على عبارة (اقتصادات العرض)». أصبحت عبارة مضللة وشائعة، تقف عائقا أمام السياسة الاقتصادية السليمة.
أصبحت هذه النظرية اليوم متلازمة مع هاجس خفض الضرائب، تحت جميع الظروف. لم يعد دعاتها في الكونغرس وخارجه يقتصرون في دعوتهم على خفض نسبة الضرائب الهامشية - أي ضريبة على كل دولار إضافي - كما فعلت النظرية الأصلية في توصيف مؤيدي اقتصادات العرض، وبدلا من ذلك، فإن دعاتها أصبحوا يؤيدون حتى أكثر خفض الضرائب جدلا بالحماس والاندفاع ذاتهما. واليوم، أصبح شائعا سماع دعاة خفض الضرائب يدّعون - بغير وجه حق - إلى أن جميع خفض الضرائب ترفع الإيرادات».
وإذا وضعنا جانبا تلك المسميات، فإن الملاحظات أعلاه لا تشتمل على ما هو جديد. ففي مقال نشر في يوليو/ تموز 2004، علق بارتلت، وكان مُحقا في تعليقه، قائلا: «إن الحجم الأكبر من الخفض منذ 2001، فيما يتصل بالإيرادات، ذهب بشكل إعفاءات ضرائبية وغيرها من الإجراءات التي لا تأثير لها على الحوافز المتصلة بالضريبة الهامشية».
بطبيعة الحال، إن التحايل في خفض الضرائب يُفقد من عائداتها. بيد أن المعلق في صحيفة «وول ستريت جورنال» روبرت فرانك، تصوّرَ أن «داعية اقتصادات العرض في السياسة الضرائبية، بروس بارتلت، أصبح يُقرُّ بأن خفض الضرائب على ذوي الدخول الكبيرة لا يؤدي إلى تعظيم مجمل إيرادات الضرائب». بيد أن بارتلت لم يُُقرَّ بأنه فعل ذلك. ارتفعت الضرائب ارتفاعا ملحوظا منذ خفضها العام 2003، وكانت معظم المكاسب من ذوي المداخيل الكبيرة، بما في ذلك الأرباح، وتعظيم رأس المال والعوائد.
عبارات يراد منها وصف أفكار معقدة في كلمة أو كلمتين، مثل تعبير الـ «كينزية» - نسبة إلى عالم الاقتصاد البريطاني كينز - كثيرا ما يساء استخدامها. بيد أن مثل تلك الاستعمالات الخاطئة لا يمكن وقفها. بمجرد أن يرفع بارتلت العلم الأبيض، شئنا أم أبينا، فإن تعبير «اقتصادات العرض» سيستمر مستعملا أو مُساءٌ استخدامه من دون شك.
يقول بارتلت: «السياق الذي كان فيه للعبارة معنى لم يعد قائما، وبالتالي أصبحت العبارة عائقا أمام التواصل الفكري في الشأن العام». ذلك السياق يشير إلى النقاش الذي دار حول نجاعة سياسة مختلطة، في وضع كان فيه التضخم من 15 إلى 20 في المئة، مع تراجع حاد في الأداء الاقتصادي، كما كانت الحال عليه العام 1974-1975 و1980-1982. الشيء الجديد في نظرية اقتصادات العرض هو ما أدخله حامل جائزة نوبل في الاقتصاد روبرت موندل، ألا وهو:
1. السياسة النقدية هي الأداة المناسبة لكبح جماح التضخم.
2. يجب أن ينتقل التركيز في السياسة الضرائبية من نتائج حسابات الفترات القصيرة الأمد (العجز) نحو تحسين الحوافز على المدى البعيد للعمل المنتج والاستثمار.
القسم الأول هو في الواقع سياسة نقدية، وكلاهما لا ينفصلان عن كونهما ذوي علاقة بالتضخم والنمو الاقتصادي.
في بحث كتبته في خريف 2001 ونشرته مجلة معهد كيتو تحت عنوان «خليط من السياسة النقدية والمالية» قلت ما يأتي: «في السنوات المبكرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كانت سياسة الترشيد المالي في أوجها، كانت وجهة النظر السائدة أن الدور الرئيسي للسياسة النقدية هو إبقاء سعر الفائدة منخفضا. وكان يُنظر إلى التضخم في بادئ الأمر أداة نافعة لتليين الاقتصاد مقابل نسبة منخفضة من البطالة. في نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما أثبت الدولار المنكمش أنه أقل جاذبية مما هو متوقع، كان التضخم يُنظر إليه على أنه قضية دائمة يجب أن تكافح بلا انقطاع عن طريق استخدام السياسات المالية والضرائبية (الضرائب الإضافية) وسياسات الرقابة على الأجور والأسعار. ولكن لم يكن يُنظر أبدا إلى ذلك من الزاوية النقدية المحضة».
كانت ملاحظاتي في سياق الخطأ السائد الذي أعطانا الضريبة الإضافية التي فرضها الرئيس ليندون جونسون العام 1968 وكذلك الرقابة على الأسعار التي فرضها الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1971. وما إن حلت سنة 1978 حتى أصبحت الأفكار الخاصة بـ «اقتصادات العرض» شائعة حتى إنها وُصِفت بـ «المثيرة للاهتمام» وأعربت الكتب الجامعية عن الرأي أننا نحتاج فعلا إلى إدارات مالية تعمل على العرض الكلي.
وأوضح بارتلت قائلا: «مازلت أعتقد أن (اقتصادات العرض) هي العلاج الصحيح للمشكلات الاقتصادية التي واجهناها في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. كما أني أعتقد أنها تنطوي على بعض الحقائق الجوهرية التي تكون صالحة في جميع الأزمان. بيد أن تلك الحقائق مثل الرأي القائل: إن نسب الضرائب الهامشية العالية هي مُسيئة للاقتصاد، أصبحت الآن مقبولة من قبل الجميع».
القول إن نظرية اقتصادات العرض هي مقبولة قبولا تاما تقريبا هو قول جيد ولكن ليس كافيا تماما. فعندما تكون السياسة الضرائبية في معظم البلدان قريبة من الحد الأمثل كما هي الحال في هونغ كونغ، فسأتوقف بكل سرور عن الحديث عنها.
إقرأ أيضا لـ "الن رينولدز"العدد 1800 - الجمعة 10 أغسطس 2007م الموافق 26 رجب 1428هـ