العدد 1796 - الإثنين 06 أغسطس 2007م الموافق 22 رجب 1428هـ

عثرة الجنرال عون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا اجتاز لبنان الاستحقاق الانتخابي في المتن الشمالي وبيروت الثانية بعد سلسلة تجاذبات سياسية بشأن دستوريتها ومدى صلاحية مجلس الوزراء في الدعوة إليها من دون موافقة رئيس الجمهورية.

الدعوة في أساسها كانت رسالة رد سياسية على طرف اعتمد تكتيك الاغتيال لزعزعة التوازنات النيابية في البرلمان اللبناني المقفل. ولهذا السبب نشبت مخاوف من أن تؤدي الدعوة الدستورية إلى توسيع الهوة السياسية بين الطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية. هذا التخوف ليس مفتعلا في اعتبار أن الذهنية السياسية التي تحرك مشاعر الشارع اللبناني تميل إلى الطائفية والمذهبية. ولكن موقف التحالف الثنائي (حركة أمل وحزب الله) الحكيم سياسيا والشريف أخلاقيا والمنسجم إلى حد كبير مع الأعراف والتقاليد المحلية جنّب أهل بيروت من مشكلة كان بإمكان الطرف الذي يقف وراء الاغتيالات استغلالها باتجاه زعزعة البلد ونشر الفوضى في عاصمته.

لم تشهد انتخابات بيروت الثانية معركة سياسية. وجاءت النتائج متوافقة إلى حد معين مع التوقعات ولكنها أشارت بوضوح الى تراجع نسبة المقترعين إلى درجة متدنية وشبه فاضحة (18 في المئة اقترعوا من عدد المسجلين في اللوائح).

المعركة كانت في المتن الشمالي، وهي أعطت حيوية للاستحقاق الدستوري وكشفت عن تلاوين سياسية في مزاج الناخب المسيحي. والنتائج التي أسفرت عنها المعركة كشفت عن نشوء توازن سياسي يختلف عن ذاك الذي ظهر في دورة 2005. فالجنرال ميشال عون فاز بالمقعد بنسبة تقل عن نصف في المئة وخسر سياسيا، والرئيس السابق أمين الجميل خسر المقعد وربح سياسيا.

كيف يمكن أن يخسر الرابح ويربح الخاسر؟ الجواب يعود إلى المعادلة اللبنانية وتركيبة الصيغة وتوازن الحصص الطائفية وتوزيعها على المناطق والمذاهب. فالمقعد مخصص تقليديا للموارنة وبالتالي فمن يكسب الصوت الماروني هو الرابح سياسيا حتى لو خسر في نتيجة الاقتراع العام. الجميل اكتسح الجنرال في معركة جذب الموارنة إلى صناديقه. وهذه تعتبر نقطة ثمينة في معادلة القرار المسيحي وما تمثله المعادلة من ضوابط دستورية تتصل مباشرة باستحقاق رئاسة الجمهورية الذي اقترب موعده. النقطة الثانية التي كسبها الجميل كانت تسجيله نسبة عالية من المقترعين في الكتل التصويتية التي تعود للطوائف المسيحية الأخرى باستثناء الأرمن الأرثوذكس.

وهذه أيضا تعتبر نقطة قوة للجميل في اعتبار أن منصب الرئاسة في لبنان من نصيب الموارنة ولا يحق للطوائف المسيحية الأخرى التنافس عليه. وبما أن منصب الرئاسة ليس للكاثوليك أو الأرثوذكس وبالتأكيد ليس من حصة الأرمن فإن نتيجة الاقتراع أعطت الجميل قوة في طائفة الرئيس ونزعت من الجنرال احتكار تمثيله للشارع المسيحي عموما والماروني خصوصا. كيف؟ أيضا هذا الأمر يعود إلى خصوصية الكيان اللبناني الذي يعتمد نظام الملل والنحل في اختيار قياداته السياسية. فالنظام الطائفي يوزع المقاعد بحسب النسب في المناطق. وفي المتن الشمالي يشكل الموارنة الغالبية (أكثر من 73 ألف صوت انتخابي) ويأتي بعدهم الأرمن الأرثوذكس (أكثر من 25 ألفا) ثم الروم الأرثوذكس (أكثر من 23 ألفا) وأخيرا الروم الكاثوليك (أكثر من 15 ألفا). وهناك آلاف الأصوات الأخرى التي تتوزع على ملل ونحل متشكلة من أقليات ومذاهب مسيحية ومسلمة.

هذا يعني في المجموع العام أن الطوائف الثلاث الكبرى من غير الموارنة يشكلون كتلة تصويتية لا تقل عن 63 ألفا، الأمر الذي يؤثر مباشرة على المزاج المسيحي ويمكن أن يتدخل لتعديل التوجهات السياسية المحلية في حال دخلت الأطراف في مواجهات مباشرة كما حصل في 5 أغسطس/ آب بين الرئيس والجنرال.

مثل هذا الجانب المعقّد من الصعب توضيح ملامح صورته من دون مقارنة بين ما حصل في انتخابات 2005 العامة وانتخابات أغسطس الفرعية. في انتخابات 2005 حصلت لائحة الجنرال على نسبة 70 في المئة تقريبا من المجموع العام للمقترعين بمن فيهم الموارنة بينما حصلت لائحة «قرنة شهوان» المتحالفة مع «14 آذار» على نسبة تزيد قليلا عن 30 في المئة، ما أدى إلى نجاح لائحة الجنرال بالكامل وسقوط اللائحة المنافسة ما عدا المقعد الماروني الشاغر الذي فاز به ابن الرئيس (بيار الجميل) بنسبة بسيطة. وبالأرقام تراوحت أصوات الفائزين من لائحة الجنرال بين 48 ألفا و57 ألفا بينما نال ابن الرئيس الجميل أكثر من 29 ألفا، أي أن الفارق بين الفائز الوحيد من لائحة أنصار «14 آذار» ولائحة الجنرال تراوح بين 19 و28 ألفا لمصلحة عون.

في حال المقارنة بين انتخابات 2005 ونتائج الانتخابات الفرعية أمس الأول نال والد الشهيد أكثر من 39 ألفا مقابل الرقم نفسه للمنافس مع فارق ضئيل تعدى 400 صوت. الفارق إذا تراجع في سنتين من 19 و28 ألفا إلى أقل من 500 صوت لمصلحة الجنرال. وهذا يعني أن قوة الاقتراع صعدت من جانب «14 آذار» بنسبة عالية تجاوزت 20 في المئة (من 29 إلى 39 ألفا) بينما تراجعت قوة الجنرال التصويتية بنسبة 20 في المئة (من 58 إلى 39 ألفا).

تعديل التعديل

هذا التعديل في التوازن الانتخابي أعطى صورة مصغرة عن تغير المزاج السياسي العام للناخب المسيحي عموما والماروني خصوصا. يضاف إلى ذلك أن الصوت الأرمني في برج حمود لعب دوره الحاسم لتخفيف نسبة الفارق لمصلحة مترشح الجنرال. فالأصوات الأرمنية انصبت بنسبة تعادل 85 في المئة ضد الرئيس الجميل الأمر الذي ساهم في إسقاطه بأقل من 500 صوت. ولولا التكتل الأرمني لكان الجميل فاز بغالبية كاسحة تزيد على 8 آلاف صوت. ولهذا السبب انفعل الجميل وتفوه بتصريح غاضب ضد الأرمن و«غيتو» برج حمود متهما حزب الطاشناق (الأرمني) بالتزوير.

التزوير ليس هو السبب كما أظهرت ذلك المراقبة القضائية وانما العصب «القومي» والتعصب السياسي/ المذهبي. فالتكتل الأرمني يعتمد على عصبية أقلية خائفة من الأكثريات اللبنانية لذلك اشتهر تقليديا بالوقوف مع سلطة رئيس الجمهورية. فالطاشناق دائما هو حزب الرئيس وما يختاره «الرئيس» يقترع له الأرمن. وبما أن الرئيس الحالي (اميل لحود) مع الجنرال وضد الجميل فجاء الخيار الأرمني يتوافق مع توجهات عامة وتقليدية اشتهر بها الطاشناق. فالمعركة في برج حمود لم تكن بين الجميل والطاشناق وانما بين الجميل ولحود والأخير أوعز بأن تصب أصوات الأرمن في صناديق الجنرال وهذا ما عدل ميزان القوى وكسر المزاج الماروني/ المسيحي العام.

هذه النتيجة لا تعني أن الجنرال عون لم يخسر سياسيا وتنكسر شوكته وهيبته. فالمعركة فعلا كانت لمصلحة الجميل بغالبية مريحة لولا تدخل الجنرال الآخر (الرئيس اميل لحود) وتعديله للتعديل. فالجنرال عون لم يعد بإمكانه الادعاء انه يمثل نسبة 65 و70 في المئة من الشارع المسيحي ليقول إنه المترشح الأوفر حظا لرئاسة الجمهورية. كذلك لم يعد باستطاعته حتى الادعاء بأنه يمثل 51 في المئة مقابل 49 في المئة للفريق المسيحي المنافس في اعتبار أن الكتلة التصويتية الأرمنية هي التي قلبت المعادلة وأدت إلى خسارة الجميل المقعد بنسبة تقل عن نصف في المئة.

صورة الجنرال اهتزت انتخابيا كذلك بدأت توجهاته السياسية تواجه عثرات ميدانية يصعب تقدير انعكاساتها السلبية منذ الآن. معركة الرئاسة مارونية بامتياز. وبما أن المزاج الماروني تغير نسبيا في المتن الشمالي فمعنى ذلك أنه أخذ يتغير بالنسبة نفسها في الأقضية المسيحية الأخرى. وبهذا المعنى الخاص اعتبر الكثير من المراقبين للانتخابات الفرعية في المتن الشمالي أن احتكار الجنرال للصوت المسيحي تراجع عن مواقعه السابقة. فهو اقتراعيا فاز بالمقعد ولكنه مزاجيا خسر بالسياسة. والخسارة السياسية في الشارع الماروني تحديدا تعني الكثير من الإشارات وخصوصا في مسألة الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1796 - الإثنين 06 أغسطس 2007م الموافق 22 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً