« المثالية» في هذا العصر « المقلوب رأسا على عقب» تعني عدة أمور... فيمكنك أن تصبح فجأة ومن دون سابق إنذار شخصا مثاليا إذا توافرت لديك عدة مؤهلات، ليس ضروريا جدا عمق ثقافتك أو تنوعها، أو امتلاكك للمعايير المقبولة والبديهية والمتعارف عليها بين الناس لأي شخص « مثالي»، ليس من المهم أن تكون واسع الاطلاع أو متحدثا لبقا. ليست أيا من هذه العوامل ضرورية، بالخصوص قياسا بمعايير « أخرى» أكثر أهمية وأقوى تأثيرا تجعلك مستحقا للقب « المثالية» عن جدارة. يكفيك اسم عائلتك أولا، مدى نفوذها، امتدادها وعلاقاتها وإمكاناتها في فرض « مثاليتك» فرضا على الناس. تحتاج أيضا إلى جهاز إعلامي قوي خلاق ومبدع، قادر على أن يفتح لك الأبواب المغلقة، ويكذب الكذبة ويصدقها، ويجعل غيره يصدقها أيضا. يكفيك أن يجعل منك هذا الجهاز الإعلامي شخصا مميزا ومثاليا بجدارة، فصورتك التي يرسمها في أذهان الناس هي المهمة، أما الحقيقة فلا يعرفها أحد، أو ربما لا يكترث أحد لأن يعرفها. فليس لدى الجمهور إلا الظاهر، وليس لديه الوقت الكافي ليتفكر ولو قليلا في هذا الظاهر الفارض نفسه علينا رغما عن أنوفنا. والمثاليون بهذا المنطق كثر، بعكس المنطق « السوي» الذي يجعل من المثاليين « بالمعايير السوية» عملة نادرة. ويكفي لتعرف مثاليي هذا العصر أن تقرأ بين السطور، وتتصفح الصحف كل يوم، وتنظر حولك بتمعن أكبر، ستجدهم بالتأكيد، وببحث يسير ستعرف قصتهم مع « المثالية».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1790 - الثلثاء 31 يوليو 2007م الموافق 16 رجب 1428هـ