كتب عالم الاقتصاد آلن بلايندر في صحيفة «الواشنطن بوست» بأن «تصدير الوظائف الخدماتية من البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة إلى البلدان الفقيرة مثل الهند، قد يُشكل مشكلات رئيسية لعشرات ملايين العمال الأميركيين على مدى العقود القادمة. وفي الحقيقة، فإنني أعتقد بأن تصدير الوظائف خارج الولايات المتحدة قد يكون أكبر قضية سياسية في الاقتصاد على امتداد جيل قادم». التعبير الملفت للنظر هنا هو أن الظاهرة «قضية سياسية».
كلمة «أوفشورنغ»، أي تصدير الوظائف، هي كلمة قصيرة وخاطفة بحيث تجتذب المصالح الوطنية المحلية ودعاة الحمائية، سواء من اليسار أو من اليمين.
بلايندر يتكهن بشأن «العقد أو العقدين القادمين»، ومع ذلك، فإن الظاهرة التي يصفها أصبحت قائمة في يومنا هذا.
«إنفوسيس»، وهي أكبر شركات تصدير البرمجيات في الهند، بدأت في العام 1981، وتوظف الآن أكثر من 72000 موظف على امتداد العالم، بما في ذلك موظفين في 16 مكتبا في الولايات المتحدة. «ويبرو» توظف 66000، بما في ذلك 11 مكتبا في الولايات المتحدة. «بيرو سيستمز» توظف 5000 موظف من بين 22000 موظف في الهند.
إذا كان تصدير خدمات تجارية قد عرَّض للخطر «عشرات ملايين الوظائف الأميركية»، كان يتوجب علينا أن نرى بعض العلامات على ذلك الآن. ولكننا لم نلحظ أية علامات.
وفي دراسة وضعها لمركز أبحاث السياسة الاقتصادية في برينستون، انتقى بلايندر 22 مجالا رئيسيا في قطاع الخدمات، وقد صنفها في أربع مجموعات وفق قابليتها لتصدير الوظائف (أوفشورنغ).
إن قائمته النظرية الافتراضية مع ذلك، توضح توضيحا كبيرا، أي من الوظائف الخدماتية هي الأكثر عرضة للتهديد. وهذا بدوره، يجعل من الممكن فحص نظرياته في ضوء التغيرات التي وقعت فعلا ما بين 2002 و2005. تلك الوظائف القابلة للتصدير ازدادت بمقدار 8.2 في المئة ما بين 2004 و2005، ولكنني افترضت زيادة صغيرة ما بين 2002 و2004.
مجموع قائمة بلايندر الـ 22 الرئيسية، الأكثر احتمالا للتصدير، بلغت 15732670 في مايو/ أيار 2005. كان هذا زيادة بنسبة 7.7 في المئة من 14603140 وظيفة في مايو 2002. الوظائف ازدادت في 18 من مجموع 22 من مجالات العمل، كما أن الأجور ارتفعت في جميعها.
أما الوظائف الأكثر عرضة للتصدير فهي برمجيات الكمبيوتر والتسويق الإلكتروني. يتبعها في رأس المجال ذاته محللو أنظمة الكمبيوتر، وكتبة حفظ الدفاتر الحسابية، ومهندسو مستهلكي البرامج «السوفت وير»، ومحللو الأنظمة.
الفئة الثانية، الأقل عرضة تشمل المحاسبين وعددا من الوظائف التي لا يبدو من السهل تمريرها إلكترونيا بسهولة عبر الحدود الدولية، مثل أعمال اللحام، على سبيل المثال، ومساعدي عمال الإنتاج، والتغليف، وعاملي الماكنات، والمفتشين وحتى «مراقبي ومديري الخطوط الأمامية».
وفي المجموعة الثالثة، يطلب منا بلايندر أن نُصدق بأن «مديري المبيعات» قد يعاد توزيعهم على بلدان أجنبية. قد يتلقى العملاء رسائل بريد إلكتروني أو مكالمة هاتفية، ولكن لا تتوقع وجبة غداء أو مصافحة يد!
الوظائف ارتفعت ما بين 2002 و2005 في 18 من مجموع الـ22 فئة وظائفية، قيل إنها مهددة بتقديم الخدمات إلكترونيا. انخفضت الوظائف 4 في المئة بين التسويق الإلكتروني، وهو انخفاض بنحو 19000 وظيفة، ولكن هذه الوظيفة متدنية وقليلة الأجر. وحتى توضع خسارة 6000 وظيفة سنويا في سياقها الصحيح، فإن الولايات المتحدة تخسر بشكل روتيني نحو 30 مليون وظيفة كل سنة، وفي الوقت ذاته تكسب عددا يفوق ذلك. الكسب الصافي في التوظيف هو الذي يفسر بقاء نسبة البطالة في حدود 4 في المئة.
التوظيف في قطاع مُبرمجي الكمبيوتر انخفض بمقدار 68000 وظيفة، أي نحو 15 في المئة. إنني لست غير متعاطف ذلك أن ابني «جون» يعمل كواضع برامج «بي. إتش. بي». ولها تطبيقات على شبكة الإنترنت (في نيويورك وليس في الهند).
معظم محترفي «السوفت وير» في الهند هم واضعو رموز، وهو عمل لا يتطلب سوى القليل من الجهد الخلاق. بجانب ذلك، فإن الوظائف في أربع فئات لها صلة بالكمبيوتر والتي تم تصديرها، مثل مهندسي الـ «سوفت وير»، ارتفعت بمقدار 210570 وظيفة بين 2002 و2005، متجاوزة إلى حد كبير خسارة الوظائف البرامجية المتدنية، قليلة الأجر.
بلايندر احتاج فكرة قصيرة خاطفة مصممة بحيث تكون «قابلة للتسويق في الساحة السياسية». إنه يحاول بيعنا أفكاره في السياسة العامة.
كما لاحظت الدراسة الأكاديمية «فإن الأجوبة السياسية المناسبة - إذا كان هنالك ما يستدعي ذلك - لهذه القضية، ربما تتوقف على كم من الوظائف قد تتعرض لخطر التصدير». إنه يريد ردا سياسيا كبيرا، وهذا يتطلب أعدادا كبيرة.
من الضروري أن نكون حذرين وأن ينتابنا الشك كلما طرحت ادعاءات جامحة مثيرة لتسويق سياسة عامة.
بلايندر يريد قدرا أكبر من مخصصات ما يدفع للعاطلين عن العمل (وهو ما يثبط التوجه للعمل)، وبرامج أكثر كلفة لإعادة التدريب (والتي تفشل دائما). إنه يتوقع حتى من «خبراء التخطيط المركزي» إعادة صوغ نظامنا التعليمي بحيث نُخرج أعدادا أكبر من الناس الذين يتدربون على الوظائف التي تبقى في الولايات المتحدة، وأعدادا أقل لتلك الوظائف التي ستهاجر خارج الولايات المتحدة. فإذا أردت أن يكون أطفالك من مبرمجي الكمبيوتر أو محاسبين، فإن عليهم ببساطة أن يتأقلموا مع المخطط الوطني!
الوظائف في ازدياد في جميع المجالات التي يتصور بلايندر بأنها أمام تهديد فوري بأن تصدَّر من خلال الاتصالات الإلكترونية إلى بلد ما بعيد في الخارج. وما لم تتغير الحقائق، فإن تكهنات وتقديرات منتقدي تصدير الوظائف لا ضرورة لأخذها على محمل الجد.
إقرأ أيضا لـ "الن رينولدز"العدد 1786 - الجمعة 27 يوليو 2007م الموافق 12 رجب 1428هـ