العدد 1784 - الأربعاء 25 يوليو 2007م الموافق 10 رجب 1428هـ

الشريك الثقيل

رحلة الى بغداد (9)

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

ليالي البغداديين قاسية مثل نهاراتهم، وقساوة الليالي تنبع من ظلمة حالكة تتميز بانقطاع شبه مستمر أو مستمر للطاقة الكهربائية، بغداد الآن في المساء كئيبة، حزينة، مظلمة، خالية من أي لون من ألوان الحياة.

في الظروف الاعتيادية، يحصل الأهالي يوميا على ثلاث ساعات من الطاقة الكهربائية (ساعة كهرباء مقابل ثماني ساعات انقطاع)، أما في الظروف السيئة فقد يستمر انقطاع التيار الكهربائي إلى ثلاثة أيام مقابل ساعة أو ربما لا كهرباء.

الوضع الكهربائي السيئ دفع البغداديين إلى البحث عن حلول متعددة لتأمين كهرباء إضافية غير الكهرباء التي توفرها الحكومة أو «الكهرباء الوطنية» كما يسميها العراقيون.

الحلول للبحث عن الكهرباء تتمثل في ثلاثة خيارات رئيسية لا تخلو كل واحدة منها من سلبيات كثيرة؛ أولها شراء مولدة كهربائية يستطيع صاحبها تشغيلها وقتما شاء، لكن سلبيتها في كلفة تشغيلها العالية، إذ إن سعر لتر البنزين في السوق السوداء يصل إلى دولار أميركي، أما الخيار الثاني الأكثر انتشارا فهو الاشتراك في مولدات كبيرة يديرها منتفعون من بيع الكهرباء داخل المحلات البغدادية، وسلبيتها في أنها كهرباء مرهونة بمزاج صاحب المولدة أو زوجته اللذين ينتقيان فترات تشغيلها، أما الخيار الثالث فهو مد سلك كهربائي طويل بين المناطق المتجاورة للتبادل المشترك في الحصول على الكهرباء من المنطقة المتوافر فيها الكهرباء الحكومية، وسلبياتها أن الكثير من المناطق المتقابلة غالبا ما تنقطع فيها الطاقة الكهربائية عموما مما يلغي فائدة هذا الخيار، وعلى رغم تعقيدات كل هذه الخيارات، إلا أن البغداديين اضطروا إلى تطبيق جميع هذه الحلول في آن واحد.

استمرار الانقطاعات الكهربائية أضاف لاستمرار العمليات المسلحة هما كبيرا على أهالي العاصمة العراقية جعلتهم يغيّرون من طبيعة حياتهم الاجتماعية والثقافية، فالبغداديون الذين كانت تعج بهم العاصمة حتى منتصف الليل صاروا يضطرون إلى إقفال محالهم ومصالحهم قبل الساعة الثانية ظهرا في المناطق الساخنة، فيما لا تجد بغداديا واحدا خارج بيته بعد الساعة السابعة مساء. أما النوادي الرياضية والاجتماعية فصارت فعالياتها صباحية أو عند الظهيرة، إذ تقفل جميع هذه النوادي أبوابها ويفر منها روادها قبل الخامسة أو السادسة عصرا في افضل حال، كما أن الأمسيات الثقافية تحوّلت إلى «اصبوحات» لتلافي العمليات الإرهابية من جهة وللسيطرة على «منابع الطاقة الكهربائية» التي تعطل بعد المساء خارج الأحياء السكنية من جهة أخرى.

انقطاعات التيار الكهربائي وشحته أثرت أيضا على الوضع المادي للبغداديين إن كانوا موظفين أو أصحاب مهن وصناعيين، فالحصول على وحدة كهربائية «أمبير» يكلف عشرة دولارات أسبوعيا، وإذا كانت العائلة الواحدة بحاجة إلى خمسة «امبيرات» فإنها تدفع نحو خمسين دولارا أسبوعيا ومئتي دولار شهريا.

عموما، الكهرباء (غير الوطنية) في بغداد صارت شريكا يتقاسم رواتب الموظفين ومداخيل أصحاب المهن الحرة من دون أية رحمة.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 1784 - الأربعاء 25 يوليو 2007م الموافق 10 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً