العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ

الفوضى اللبنانية... والاستحقاق الدستوري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يستعد لبنان في الأسبوعين المقبلين لمواجهة استحقاق دستوري مهم يتعلق بخوض معركة نيابية فرعية في دائرتين واحدة في جبل لبنان وأخرى في بيروت. المعركة تحمل دلالات كثيرة لأنها تُجرى وسط ظروف سياسية وأمنية غير عادية. فالبلد يواجه مخاطرَ أمنية ميدانية ومخابراتية تمتد من الشمال (معارك نهر البارد التي أسفرت عن سقوط 111 جنديا) إلى الجنوب (عمليات ضد القوات الدولية) مضافا إليها تفجيرات واغتيالات للسياسيين كما حصل للنائبَين بيار أمين الجميّل ووليد عيدو.

لبنان إذا على موعد دستوري في 5 أغسطس/ آب المقبل. فالدولة تريد الانتخابات لتأكيد حرصها على قوة النظام ومناعته وقدرته على مواجهة التحديات. والحكومة تؤيد هذا التوجه لأنه يضمن لها الحد الأدنى من الغالبية النيابية التي تحرص عليها حتى لا تفقد شرعيتها الدستورية. والمعارضة ترفض الانفراد بالقرار لأنها ترى أن الحكومة لا تملك الشرعية «الميثاقية» وتفتقد الصلاحيات التي تعطيها حق الدعوة إلى إجراء انتخابات فرعية من دون توافق رئاسي ترعاه حكومة اتحاد وطني.

المعركة إذا سياسية/ دستورية. فمن الجانب السياسي يجتهد كل فريق لإثبات صحة وجهة نظره من خلال تثبيت مواقعه في الشارع. ومن الجانب الدستوري يضغط كل فريق باتجاه انتزاع شرعيته القانونية على أساس تأكيد قدرته على التعطيل ومنع الانفراد باتخاذ القرارات من دون توافق عليها.

إلا أن المسألة أعقد من ذلك، فهي تتجاوز في جوهرها تلك الأغطية السياسية والدستورية باعتبار أن المشكلة التي تعصف بالبلد الصغير تتجاوز حدوده الجغرافية ولعبة الطوائف الداخلية. فالغالبية (14 آذار) ترى أن هناك قوى أجنبية ومخابراتية وإرهابية تريد زعزعة أركان الكيان من خلال التفجيرات والاغتيالات بقصد تقليص عدد الأكثرية النيابية لمصلحة فراغ دستوري ينزع الشرعية عن حكومة فؤاد السنيورة. والأقلية (8 آذار) ترى أن مشكلة لبنان الآن تتركز على الحكومة وعدم تمثيلها كل الشرائح والأطياف والطوائف والكتل النيابية وبالتالي فإن إعادة تشكيل هيكلية وزارية جديدة يفتح الطريق أمام الدولة لضبط الأمن والسيادة والاستقلال.

اختلاف التوجهين وضع البلاد أمام مأزق سياسي/ دستوري. فالقوى التي يطلق عليها «14 آذار» وضعت موضوع الانتخابات الفرعية على رأس أولوياتها ؛لأنها تريد أن توجه رسالة إلى الطرف القاتل بأنها ليست خائفة ولن تتراجع عن أهدافها. بينما القوى التي يطلق عليها «8 آذار» وضعت موضوع الحكومة على رأس أولوياتها ؛لأنها ترى في التوازن الوزاري الشرط السياسي المطلوب لضمان العمل بالدستور.

كاد الاختلاف يعرض البلد لحال من الفوضى السياسي، ولكن الآن وبعد انتهاء مهلة الترشيح للمقعدين في المتن الشمالي (المقعد الماروني) والدائرة الثانية في بيروت (المقعد السني) ودخول مختلف الأطراف تقريبا معركة التنافس بدأت المشكلة بالانحسار لتأخذ مكانها الطبيعي.

من الآن حتى 5 أغسطس المقبل يمكن توقع الكثير من المتغيرات في التحالفات السياسية وغيرها من احتمالات تتصل بالمخاوف الأمنية أو تلك التسويات التي تنشط فرنسا على ترتيبها بالتفاهم مع قوى إقليمية نافذة ومؤثرة على مناخات الساحة اللبنانية. ولكن مجرد التوافق العام على ضرورة إجراء انتخابات نيابية فرعية في موعدها الدستوري يشكل بادرة حسن نية تفتح الأبواب أمام تسوية مؤقتة تخفف من التوتر الطائفي/ المذهبي الذي وصل في الأشهر الماضية إلى درجة الغليان.

التوافق المبدئي على الموعد الدستوري لا يعني أن المعركة النيابية في 5 أغسطس أصبحت خالية من أبعادها السياسية. فالمعركة الآن بعد أن تجاوزت العقبة الدستورية تحولت إلى «مارثون» سياسي سيحاول كل فريق إثبات قدراته الميدانية على الأرض. فتحالف «14 آذار» يريد استرداد المقعدين وتحالف «8 آذار» يريد منع هذا الاحتمال على الأقل في منطقة حساسة في المتن الشمالي.

المعركة في المتن الشمالي

معركة المقعد السني في بيروت أقل ضراوة وبات شبه محسوم لمصلحة تيار المستقبل (كتلة سعد الحريري) بعد أن قرر تحالف أمل - حزب الله مقاطعة الانتخابات. وقرار المقاطعة حكيم سياسيا ؛لأنه يتجانس مع الموقف المبدئي ويوفرعلى أهل العاصمة الكثير من الحساسيات الطائفية ويمنع على المصطادين تحريك المشاعر المذهبية وتأجيجها لغايات سلبية.

المعركة الحقيقية تتركز الآن على المقعد الماروني في المتن الشمالي وهي ستكون بين قوتين مسيحيتين بالكامل بسبب انعدام وجود كتلة تصويتية للطوائف المسلمة الثلاث (السنة والشيعة والدروز) في تلك المنطقة. وأهمية المعركة هناك أنها ستُجرى للمرة الأولى بعد سنتين شهدت خلالها الساحة اللبنانية سلسلة تجاذبات واستقطابات بين فريق «14 آذار» وفريق «8 آذار». ففي الانتخابات الأخيرة اكتسح تيار الجنرال ميشال عون غالبية المقاعد ولم ينجح من التحالف المضاد سوى الشاب الوزير بيار الجميّل. والآن يريد كل طرف تأكيد قوته السياسية في دائرة تعتبر صافية طائفيا.

المعركة إذا استمرت من دون تسوية أو توافقات ستكون قوية للغاية ؛لأنها تحمل دلالات سياسية تؤشر على ضعف تيار ونمو قوة تيار. ولهذا السبب اضطر تحالف «14 آذار» إلى ترشيح أمين الجميّل لأنه يعتبر الأقوى منفردا من كل الأسماء الأخرى. ولهذا السبب أيضا اضطر تحالف «8 آذار» إلى قبول التحدي حتى لا يظهر أمام الشارع على أنه أصبح في موقع المتراجع أو الضعيف. وفعلا من يكسب هذا المقعد يكن كسب معركة الزعامة المسيحية وأثبت لشارعه أنه يملك قوة تمثيلية ترجحه لأن يصبح المترشح الأوفر حظا للرئاسة التي اقترب موعدها الدستوري.

من هو الفريق المرجح فوزه في معركة المتن الشمالي؟ الاحتمالات مفتوحة لسبب منطقي وهو أن الدائرة مسيحية طائفيا ومتجانسة نسبيا ولكنها موزعة مذهبيا على كتل تصويتية ثلاث. فهناك غالبية مارونية تؤيد تقليديا المترشح عن حزب الكتائب - القوات اللبنانية. إلا أن القوة التصويتية المارونية ليست كافية لتغليب طرف على آخر وخصوصا إذا نجح المنافس في اقتسام الأصوات أو كسب ثلث القوة المارونية. لذلك يحتاج كل طرف إلى كسب أصوات الكتلتين الأخريين وهما الأرثوذكس والأرمن.

الأرثوذكس (النائب ميشال المر) يقفون الآن إلى جانب ميشال عون. والأرمن بحكم المصاهرة وتأييدهم التقليدي للرئاسة يقفون الآن الى جانب الرئيس اميل لحود. وفي حال فشل المترشح عن الكتائب - القوات (أمين الجميّل) في كسر احتكار التحالف الثنائي الأرثوذكسي - الأرمني (المر ولحود) المؤيد للجنرال عون تصبح احتمالات فشل الجميّل واردة.

المعركة إذا حامية وقاسية - إذا استمرت على ما هي عليه الآن - في نتائجها السياسية بغض النظر عن الجهة التي ستفوز بها. فالجميّل يريدها لتأكيد التفوق في الدائرة المسيحية - المارونية وعون يحتاج إليها لأنها تعزز قوته في موقع تقليدي ماروني وتعطيه أفضلية في استكمال طموحه للفوز برئاسة الجمهورية.

المقعد للموارنة بحسب توزيع الحصص. ولكن القرار ليس للكتلة التصويتية المارونية باعتبار ان الأقليتين الأرثوذكسية والأرمنية ترجحان كفة هذا الماروني ضد ذاك الماروني. فالتنافس على المقعد بين مترشحين مارونيين ولكن النتيجة يتحكم فيها الفريق القادر على كسب أصوات الأرمن والأرثوذكس أو على الأقل كسر التأييد الذي يحظى به الجنرال عون في القوتين الترجيحيتين.

من يكسب الأرمن والأرثوذكس إلى جانبه في معركة المتن الشمالي تصبح احتمالات فوزه بالمقعد الماروني هي المرجحة. فهل ينجح أمين الجميّل (القوي مارونيا) في هذا الأمر أم يجدد الجنرال السيناريو السابق ويؤكد للشارع المسيحي أنه لايزال «الرئيس» الأوفر حظا.

حتى اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري في 5 أغسطس هناك الكثير من الأيام. وخلالها لا يعرف ماذا سيحصل في بلد تعوّد على الصدمات السياسية والتفخيخات الأمنية. وبغض النظر عن حال لبنان في الأسبوعين المقبلين فإن المعركة مهمة ؛لأنها لا تدور حول مقعد نيابي شاغر وإنما تعطي إشارات سياسية قوية باتجاه من هو الفريق الأكفأ في معركة ترشيح رئيس على مقعد رئاسي سيشغر في نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً