المضحك المبكي عندما يبح صوت الناس مطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية والأجور، وبدعم السلع الاستهلاكية، يتصدى لهم المسئولون ملقين عليهم التهم غير المبررة، فتارة توجه لهم التهم بأنهم غير واعين وبالتالي عليهم بالتوعية والترشيد لكيلا ترتفع حينها أسعار السلع الاستهلاكية، بيد أنها غير مرتفعة الثمن ولكن بفعل العادات الشرائية غير الصحيحة تتعرض السلع لارتفاع في الأسعار، ومرة أخرى نجد أن مبررات مشابهة لمسئول رسمي آخر لا يجد بدا من توجيه الاتهامات غير الصحيحة إلى المواطن مرة أخرى متهما إياه بأنه السبب الحقيقي وراء الانقطاعات المتكررة للكهرباء بسبب الأحمال كما يزعم، بدلا من البحث عن الأسباب الحقيقية وإصلاح الأوضاع.
وما زلنا إلى الآن نعاني اقتصاديا حتى أصبح الملف الاقتصادي أحد أهم الملفات العالقة التي تحتاج إلى حلحلة وإنجاز، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية ونتيجة المشكلات والأمراض الاجتماعية التي باتت لا تعد ولا تحصى من بطالة وإسكان و... والقائمة تطول، تخرج علينا الحكومة بمشروعات لا تصب في الهدف ذاته بل ربما تبعدنا أميالا وأميالا عن تحقيق المطالب والأهداف، وتضيف مآس على المآسي التي نعاني منها، بنية حل بعض المشكلات الاجتماعية العالقة، فيضطر المواطن أن يدفع الضريبة.
فلم يعد من المناسب أبدا أن تحاصر الكتل النيابية بمرسوم يقضي بفرض ما نسبته 1% من رواتب الموظفين بغرض مشروع ضمان ضد التعطل الذي يتطلع العاطل ربما قبل غيره إلى تطبيقه؛ لتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته وسرعان ما تحول هذا الشعور إلى شعور سلبي مغاير، خصوصا حينما فهم العاطل عن العمل بأن المشاركين في المشروع مواطنون غير راضين في المساهمة وكأنما أغتصب حقهم قهرا، بل أحس حينها بأنه عالة على المجتمع كل من يرمي له على الأرض ليس تعاطفا لحاله ولا لوضعه المعيشي وإنما تم ذلك بشكل جبري، ما أورث حالة نفسية صعبة على العاطلين، ولطالما حمل المواطن البحريني العامل هم أخيه العاطل عن العمل، في الوقت الذي تعاني فيه البلد من التخمة جراء مزاحمة الأجنبي في الوظائف المهمة وربما الحساسة، لا أظن بأن المواطنين البحرينيين أصلا يحملون مشاعر سلبية بالفطرة ولا أظنهم يوما نزعت الإنسانية من قلوبهم فهم أكبر من ذلك وأظنهم يشعرون بأهمية التكافل الاجتماعي ولكن الحكومة سامحها الله هذه المرة أثرت على المشاعر بشكل سلبي، على رغم إنني أعتقد بأن مساهماتهم في الأعمال الخيرة على رغم تدني مستوى معيشتهم أكبر بكثير من المبالغ التي تذهب للتأمين ضد التعطل لا سيما أن الرواتب أصلا شحيحة وبالتالي من ثلاثة إلى عشرة دنانير على الأقل تتراوح مقادير المبالغ التي تذهب للتأمين ضد التعطل.
الحكومة طوال الفترة الماضية أعلنت فشلها الذريع ولم تنجح في الإلمام بمشكلة البطالة وتداعياتها الخطيرة أو الإمساك بالأسباب الأخرى التي توسع من رقعة البطالة الأمر الذي جعل الحكومة هذه المرة أن تضع الكرة في ملعب المجلس النيابي ولكي تنتصر عليه لابد لها أن تحاصره من خلال مرسوم أما أن يرفضه وبالتالي يتهم حينها بأنه قد عرقل الحل الترقيعي لمشكلة البطالة وتبدأ معركة القواعد الشعبية مع نوابها، أو يقبله بعيوبه وبالتالي عليه أن يتحمل التداعيات الحاصلة في الشارع من احتقانات وحالات عدم رضا لكونه غصب هذه المرة حقه، ففي بلد الديمقراطية والإصلاحات السياسية يتم تنفيذ مشروع التأمين ضد التعطل من دون الرجوع إلى الشارع أو حتى مشاورة نواب الشعب وإنما تم سلق المشروع سلقا وعليهم أما الشروع في أكله أو تركه بائتا، ولكون النواب يتعطشون إلى إنجازات يطمئنون من خلالها قواعدهم الشعبية ولكون المشكلة طافية على السطح اعتقدوا بأنهم قد حصلوا على مصباح علاء الدين السحري، ولكن يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر، فالكتل النيابية التي وافقت على المرسوم في البداية رجعت وغيرت رأيها من جديد بسبب ضغط الشارع من جهة ومحاولة الانقلاب على كتلة الوفاق وتحريض قواعدها ضدها من جهة أخرى، وفي قراءة سريعة لمواقف الكتل التي غيرت رأيها نتيجة حركة الشارع أصبح لونها باهتا لكونها لا مبادئ لديها، وكأنها قطع شطرنج تحركها أصابع الشارع، والكتل التي أصرت على موقفها _أي الوفاق _ حاولت أن تفهم جماهيرها سر الموقف من قانون ضد التعطل والأسباب التي جعلت الكتلة تقف مع المشروع كما تبين جديتها في محاولة تعديله لكونه مشروعا جيدا يحتاج فقط إلى تطوير.
والذي زاد الطين بلة ووسع من دائرة الخلافات أن الإجراءات تمت بشكل سريع وحصل الاستقطاع قبل أن تهدأ عاصفة الشارع، على رغم كوننا نعلم جيدا بأن الحكومات العربية بشكل عام تتعامل مع المواطن كمنشار يأكل في الصعود والهبوط... الأسابيع الماضية كان الموضوع السياسي الأبرز على الساحة المحلية هو موضوع استقطاع الـ 1 %، فالمؤيدون لديهم مبررات مقنعة وقناعة إلى حد ما بالموافقة عليه وتمريره، والمخالفون له لهم أيضا مبرراتهم المنطقية المعقولة والتي تسند رأيهم ولعل أبرزها أن الحكومة تتنصل من مسئوليتها تجاه المواطن وأن المواطن هو من يتحمل أعباء الحكومة، وبين القناعات السابقة قناعات تتأرجح بين القبول والرفض والصوت الأعلى دائما الرافض، ويتضح ذلك من خلال المسيرات الشعبية المعارضة للاستقطاع.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ