العدد 1773 - السبت 14 يوليو 2007م الموافق 28 جمادى الآخرة 1428هـ

أزمة الدولار (2/3 )

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انعكست أزمة الدولار بشكل مباشر على المواطن الأميركي الذي أصبح مرغما على التكيف مع أوضاع جديدة طرأت على حياته. فمن الطبيعي أيضا أن يترتب على هبوط الدولار نتائج وتداعيات ثانوية بالنسبة إلى المستهلكين الأميركيين. فعلى سبيل المثال، أصبح السفر إلى الخارج أكثر كلفه بالنسبة للأميركيين حاليا، كما لم يعد في وسعهم مواصلة الاستمتاع بالبضائع الأوروبية التي اعتادوا عليها؛ كالجلود الإيطالية والشيكولاته البلجيكية.

ففي السابق كانت المطاعم الإيطالية الشهيرة في «توسكاني» تكتظ بعدد كبير من الأميركيين الذين كانوا يشكلون قرابة 90 في المئة من إجمالي زبائنها، في حين أن عددهم في الوقت الحالي لا يتجاوز 5 في المئة فقط، بسبب انخفاض قيمة الدولار بالنسبة إلى اليورو. ولا يقتصر الأمر على المطاعم الإيطالية فقط، بل يمتد ليشمل الفنادق وأصحاب المحلات التجارية، الذين يعانون هم أيضا جراء الانخفاض الكبير في أعداد السائحين الأميركيين الذين توقفوا عن الحضور ليحل محلهم سياح ألمان وإنجليز، بل وزوار إيطاليون من مدن أخرى. إن الارتفاع المطرد لليورو والعملات الأوروبية مقابل الدولار، حال دون ذلك، وأدى إلى تقليل أعدادهم على نحو مطرد.

ويشير وكلاء شركات السفر إلى إن الأميركيين الذين لا يزالون يفضلون قضاء رحلاتهم في أوروبا، أصبحوا يفضلون الذهاب إلى دول شرق أوروبا التي تتميز بانخفاض أسعار الفنادق والخدمات فيها، مقارنة بالدول الواقعة في غرب وشمال أوروبا، ما أدى إلى زيادة نسبة الحجوزات إلى بولندا مثلا بنسبة 100 في المئة، وإلى جمهورية التشيك بنسبة 143 في المئة خلال العام الماضي

ويحاول أستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد كينيث روجوف، والذي كان سابقا كبيرا لخبراء صندوق النقد الدولي، أن يرسم صورة كاريكاتورية لحال المواطن الأميركي فيرجع تدهور سعر الدولار إلى عدة عوامل من بينها، ما يطلق عليه «عربدة المستهلك الأمريكي»، إذ نجده يقول «إن الدولار قد هبط فعلا جراء سببين: «الأول والأهم، أن الحكومة والمستهلكين في أميركا منهمكون في عربدة استهلاكية لا تنتهي. وقد يكون بوسعنا أن نتفهم هذا النوع من العربدة من جانب المستهلك. فمع تجاوز نسبة تملك المساكن 80 في المئة، انتشر ازدهار أسعار المساكن، المتواصل خلال العقد الأخير بين أبناء الطبقة المتوسطة. ومع أن ملكية الأسهم العادية تظل أكثر تركزا، إلا أن العديد من أفراد الطبقة المتوسطة في أميركا لازالوا يستفيدون بصورة غير مباشرة من خلال معاشات التقاعد..... ليس من المدهش إذا أن يستمر الاستهلاك الشخصي، حتى بعد أن بدأ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة يسجل انخفاضا عن معدلاته الطبيعية. لقد تمتع الناس بمثل هذه المكاسب الرأس مالية الضخمة طيلة العقد الماضي، حتى بات أغلبهم يشعرون وكأنهم مقامرون يحالفهم الحظ فيكسبون بلا انقطاع. وهم الآن يرون أنفسهم وكأنهم يقامرون بمساكنهم أو بأموال مساكنهم».

إضافة إلى ذلك، قد يجد كثير من الأميركيين أن المدير الذي يعملون تحت إمرته أصبح أجنبيا، سواء أكان مقيما في الخارج أو منتقلا للاستقرار في الولايات المتحدة، وذلك نتيجة دخول العديد من الشركات الأجنبية -أو فروعها- للعمل والاستثمار في السوق الأميركية للاستفادة من أسعار الدولار المنخفضة.

لقد دفعت الحال المتردية للدولار بالعديد من الشركات الأوروبية إلى الإعلان عن طرح استثمارات ضخمة لها في الولايات المتحدة في بداية الربع الثاني من هذا العام. فعلى سبيل المثال أعلنت شركة «ذايسينكروب» الألمانية العملاقة للصلب عن عزمها على إنشاء مصنع كلفته 4.18 مليار دولار في ولاية ألاباما، كما أعلنت شركة «بي. أم. دبليو» الألمانية المصنعة للسيارات عن نيتها زيادة إنتاجها من السيارات في مصنعها الكائن بـ»سبارتانبيرج»- ولاية ساوث كارولينا من 140 ألف سيارة حاليا إلى 200 ألف سيارة سنويا.

وإذا كان هذا الهبوط سببا للمشاكل لدى العديد من الأوساط الاقتصادية والبلدان في مختلف أنحاء العالم فإن ذلك قد يساعد في نهاية المطاف على حل واحدة من المشكلات المستعصية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، وهي مشكلة العجز التجاري الضخم الذي وصل 63.9 مليار دولار في شهر مارس/آذار الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ سبتمبر/ايلول 2006. لذلك، وعلى المدى القصير، ينبغي ألا نستغرب ترحيب الإدارة الأميركية في شكل معلن بانخفاض الدولار التدريجي كبداية لمعالجة حجم العجز في التبادل التجاري، إذ أن ضعف قيمة الدولار يؤدي إلى جعل البضائع الأميركية أكثر تنافسية مع البضائع الأوروبية والآسيوية. وفعلا، بات المصدرون الأميركييون الرئيسيون، مثل شركات «بوينغ» المصنعة للطائرات و»كاتربيلر» المصنعة للمعدات الصناعية تحظى بالمزيد من الطلبات من المستوردين الخارجيين الذين يحاولون الاستفادة من انخفاض قيمة الدولار.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1773 - السبت 14 يوليو 2007م الموافق 28 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً