بداية نقول لوزير التربية والتعليم ألف شكر لأن كادر المعلمين بقي في رفوف الوزارة سنين طوال من دون حراك، وبقي على طاولات الاجتماعات سنين أخرى من غير أن يدرج على أجندتهم، وتحقق الانجاز وأصبح واقعا كأحد أبرز الانجازات التي تحققت في عهدك.
وأظن بأن المعلمين سيظلون على الدوام يتذكرون لك هذا الصنيع، ولكن لا يعني هذا أن هناك استحسانا مطلقا في شأن موضوع الكادر ولا في تطور حركة المعلمين، فلايزال الغبن موجودا ومستمرا، ويحوم حول رؤوس المعلمين أينما ولّوا، فلم يكن كادر المعلمين آخر المطاف في رحلة ظلم المعلم، بل كان أحد أهم المحطات الفاصلة في بطولة ظلم المعلم الذي لايزال يفني زهرة شبابه في مهنته التي تحتاج منه إلى صبر وإلى تحمل وإبداع وتجديد، وطاقات رهيبة، وتحتاج منه أن يطور دائما من نفسه، وأن يظل في نهاية المطاف في عيون الجميع من أولياء أمور ومسئولين المقصر دائما، ويمكنني تشبيه المعلم في هذه الحال بالشمعة التي تحترق من أجل إضاءة الدرب للآخرين، ولكن ما يختلف عليه أن ذلك حصل من دون اعتراف واضح.
فكل الشرائح ساهمت بشكل أو بآخر في الاشتراك في صوغ كادرها إلا «المعلمين»، فلم يشتركوا مع وزارة التربية والتعليم في صوغ كادرهم التعليمي، بل لم يشاوروا في ذلك والأدهى والأمر أنه تم تجاهل الجمعية المعنية التي تمثلهم، فكل ما حصل بشأن الكادر يعد تسكينا فهو بمثابة «البندول» المسكن للألم، ولكن الألم يعاود من جديد بانتهاء مفعول المسكّن، حتى أصبح المرض في مرحلة متقدمة لا ينفع حينها معه «البندول» كمسكن للألم، فكادر المعلمين الذي استخدم ورقة كسب جميل على قطاع المعلمين كلما نطقوا بحرف واحد، يقال لهم: إن الكادر أمامكم وسيتيح لكم الفرص تلو الفرص، ولعل ما يميز الكادر كأبرز ميزة على الإطلاق أن المعلم لكي يحصل على ترقية لا يشترط حينها وجود شاغر وظيفي وإنما يتم ذلك بالتقادم، وكانت تلك العبارة بمثابة السلوى التي تريح خاطر المعلمين ما أن يستحضروها أو يتذكروها ولعلها أهم عبارة كتبت في الكادر، وظل المسئولون في الوزارة يستخدمونها كذر الرماد في العيون، صبر المعلمون على أمل أن يتحقق ما جاء به كادرهم، وصعب جدا أن يعيش الإنسان بلا أمل فما بالكم المعلم، فلابد لهم من أن يوقدوا الشمعة وأن تظل شمعتهم مضيئة لتنير الدروب.
صعقت عندما اطلعت على الأرقام - وكلنا يحترم لغة الأرقام، والأرقام وحدها تستحق منا جميعا أن نحترمها، فهي لا تعرف لا المبالغة ولا التهويل والاجتزاء، لذلك شخصيا أصدقها بحيثياتها، لا أكذب عليكم واعترف بأنني صعقت جدا عندما اطلعت على الحقيقة الرقمية التي ربما صعقت الكثير من حولي بأن كلفة كادر المعلمين والذين يبلغ عددهم 12 ألف معلم ومعلمة وهو أكبر قطاع حكومي لم يتجاوز 2.5 مليون دينار، ويتم استكثاره على المعلم، في حين بلغت كلفة كادر العسكريين 27 مليون دينار، وفي العام المقبل سيكلف الحكومة 29.5 مليون دينار مقدار الزيادة مساو تماما لكلفة كادر المعلمين في 2007، كما أن كادر الأئمة كلف الحكومة 4 ملايين دينار، وقد اضطرت حينها الحكومة إلى دفع هذا المبلغ على رغم إثارة الفتن وشراء بعض ذمم أئمة المساجد وتجعلها ورقة رابحة في أيديها، بينما قطاع المعلمين يعد من القطاعات المنسية.
نعلم علم اليقين بأنه لا مزايدات أمام المزايدة على التعليم، وعندما نفرغ من أن التعليم أهم الأولويات التي يجب أن تهتم بها أية دولة تنشد التنمية، فإننا من جديد نرجع إلى مربط الفرس وبيت القصيد وهو المعلم، الذي يعد العمود الفقري لأي نهضة تعليمية، فوزارة التربية والتعليم تضع خططها ومشروعاتها التعليمية، وتعتمد على مكنة بشرية مهمة في الميدان وعلى عمودها الفقري المعلم، وما لم يكن المعلم مرتاحا في مهنته، فإنه حتما لن يخلص في عمله، وسيكون معلول الظهر، وبالتالي الهدف الذي نسعى لتحقيقه سيواجه الكثير من الصعاب والمعوقات، وسترمي بثقلها على المشروعات والخطط، وبالتالي تتأثر برامجنا التعليمية.
علينا أن نعيد الحسابات من جديد وأن نهتم من جديد بقطاع المعلمين، كادر المعلمين ليس قرآنا منزلا من السماء وعلينا مراجعته إذا كان الأمر يستحق منا ذلك، وعلينا أن ننتقل إلى المرحلة الأخرى من الكادر، فهناك شوق غير عادي إلى مراحله، فالـ «بندول» لم يعد كافيا وفقد صدقيته الطبية، وعلينا أن نبحث عن مسكنات أخرى أكثر نفعا، فجمعية المعلمين الجهة الممثلة لقطاع المعلمين ويجب على وزارة التربية أن تتعاون معها، وأن تعتبرها شريكا مهما في صناعة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالمعلمين، وعلى جمعية المعلمين بدورها أن تنسق مع وزارة التربية في الملفات التي تخص المعلمين، لابد من علاقات تحكم مفاصل العملية، ففي النتيجة النهائية المعلمون يجب أن يحققوا مكاسب وإنجازات، ليس الهدف من وراء الإنجازات، بقدر ما تكون هناك فعلا إنجازات على الأرض، البحرين كانت من أسبق الدول الخليجية في نهضة التعليم وستظل على الدوام لها الريادة، وأشك في أن يتحقق ذلك طالما نظرت إلى المعلم نظرة ازدراء، وسيتغير الكثير للأحسن، عندما نغير نظرتنا له، ونبدأ ننظر إليه نظرة مقدرة وحانية عليه في آن واحد.
الزمن يتغير والحياة في غلاء، وأجور العاملين يجب أن تتطور بتطور دور العاملين فيها حتى لا تؤثر سلبا على دافعيتهم في العمل، الزيادة المرتقبة والمقدرة بـ 30 في المئة بحسب بيان جمعية المعلمين ومناشدتهم الأخيرة لجلالة الملك لا تعد ترفا لا معنى له، ولا أشك أبدا في حكمته ولا في كرمه، وما ضاع حق وراءه مطالب.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1772 - الجمعة 13 يوليو 2007م الموافق 27 جمادى الآخرة 1428هـ