جذب الصراع على السلطة في ساحل العاج ـ بعد أن نجحت الحركة الشعبية لساحل العاج في السيطرة على شمال البلاد (51 في المئة من مساحة الدولة) ودخلت منطقة زراعة الكاكاو (أول دولة في العالم في زراعة الكاكاو) وسيطرة الحركة الوطنية للغرب الكبير في ساحل العاج، التي تشكل قبيلة الرئيس السابق/ القتيل روبرت غييه عمودها الفقري، على غرب البلاد ـ إلى ساحته قوى إقليمية ودولية: منظمة دول غرب إفريقيا (الكواس) فرنسا، منظمة الفرانكفونية، منظمة الأمم المتحدة في محاولة لوقف القتال الذي استمر لـ 4 أشهر.
وتحركت فرنسا على خطين، خط عسكري: باعتراض تقدم قوات المعارضة الشمالية والغربية من الاتجاه جنوبا وآخر سياسي: التوسط لجمع الطرفين على مائدة مستديرة في باريس للتوصل إلى حل سياسي للأزمة والذي انعقد يوم 15/1/2003.
كانت ساحل العاج (16,3 مليون نسمة) إلى العام 1999، مستقرة سياسيا، ولا تعاني من أزمة اندماج وطني، كما كانت سياساتها وأداؤها الاقتصاديان نموذجا لدولة ناجحة، إذ حققت معدلات نمو سنوية قاربت الـ 6 في المئة، ما دفع بعض المحللين إلى اعتبارها أحد أركان الاستقرار في غرب إفريقيا التي طحنتها الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية خلال العقود الأخيرة.
غير أن السياسات التمييزية التي اتبعها الرئيس السابق الجنرال روبرت غييه (قائد الانقلاب الأول الذي وقع يوم 24/12/1999) والتي كرسها بالتعديلات الدستورية التي اشترطت أن يكون المترشح للرئاسة والبرلمان؛ ولتملك الأراضي، عاجي الوالدين والجدين، هذه تمنع نصف المواطنين العاجيين، وخصوصا المسلمين في شمال البلاد، من المشاركة في السلطة السياسية والاجتماعية، وتوظيف قانون مكافحة الشغب الذي صدر العام 1992، والذي يعاقب كل من يدعو إلى تجمع أو يقوده، ويعتبره مسئولا عن أية أعمال عنف يمكن أن تقع خلاله، في مطاردة المعارضين السياسيين والنقابيين، دفعت إلى توتير الأجواء في البلاد إذ شعر المسلمون (50 في المئة من السكان) ـ الذين وجودا أنفسهم مبعدين عن مراكز القرار التي احتلها المسيحيون على قلتهم ـ بأن هدف هذه التعديلات هو منع الزعيم السياسي المسلم الحسن اواتارا (زعيم حزب التجمع الجمهوري) من الوصول إلى سدة الرئاسة باستغلال مسألة الجنسية (والده من بوركينا فاسو وزوجته فرنسية من أصل تونسي). وقد قادت هذه التعديلات (عند صدورها العام 2000) إلى صدامات دامية بين أعضاء وأنصار حزب التجمع الجمهوري وقوات الشرطة، وأخرى عند استبعاده عن الانتخابات البرلمانية (10/12/2000) كما قادت ـ التعديلات ـ إلى نزاعات على الأراضي بين المهاجرين (في ساحل العاج 2 مليون مالي و2 مليون بوركيني و50 ألف لبناني بالإضافة إلى عدد غير معروف من المغاربة والموريتانيين) الذين عاشوا في البلاد منذ عقود، والسكان الأصليين الذين طعنوا في حق الأجانب في امتلاك الأراضي.
استمرت، على رغم الدعوات التي أطلقتها السلطات لوضع حد لها، لأيام وأدت إلى وقوع قتلى وجرحى وإلى هرب عدد كبير من البوركينيين إلى وطنهم، وهذا دفع 7 دول غربية إلى دعوة رعاياها إلى مغادرة ساحل العاج خوفا من تداعيات الأوضاع التي تفاقمت ومن حال الفوضى وعدم الاستقرار التي تتجه إليها.
كانت ساحل العاج ومازالت منطقة نفوذ حيوية بالنسبة إلى فرنسا في غرب افريقيا، والتي سيقود انهيار النفوذ الفرنسي فيها إلى انهياره في غرب افريقيا كله. لذلك جاء تحركها لحل الأزمة حذرا، إذ دخلت من بوابة ترحيل رعايا الدول الغربية أولا واستخدمت ـ كي لا تحرق أوراقها وتهدر قدرتها على المبادرة، بوابة إفريقيا ـ جمهورية التوغو التي نجحت في إقناع «الحركة الوطنية للغرب الكبير» بالتوقيع على وقف إطلاق النار والمشاركة في مؤتمر باريس.
لقد سمح انعقاد مؤتمر باريس يوم (15 يناير/ كانون الثاني 2003)، والذي استمر لـ 9 أيام، لفرنسا بالقول إنها قادرة على جمع أطراف الصراع للخروج من الأزمة. وبقي أن تنجح في تقريب وجهات نظر أطراف الصراع المتباينة، إذ تطالب المعارضة باستقالة الرئيس غباغبو وإجراء انتخابات مبكرة بينما يرفض الرئيس ذلك ويعرض على المعارضة القاء السلاح مقابل إصدار عفو عام عنها، لأنها لا تستطيع القبول بإقالة رئيس منتخب من جهة ولا تستطيع تحمّل تبعات فشل المؤتمر لأنه سيقود إلى كارثة في ساحل العاج، ربما قاد إلى تقسيمها، وإلى انهيار مصالحها في غرب القارة من جهة ثانية.
لذلك رأى عدد من المحللين ان أمام فرنسا فرصة لتحقيق نجاح إذا استطاعت اقناع أطراف الصراع بالقبول بحل وسط ينسجم مع موازين القوى على الأرض، التي أثبتت عجز أي من الطرفين (السلطة والمعارضة) على حسم الصراع عسكريا، يقوم على قيام الرئيس غباغبو بإجراء تعديلات دستورية بشأن الجنسية والملكية وتشارك المعارضة في حكومة وحدة وطنية إلى نهاية فترة حكم الرئيس غباغبو. فهل تنجح في تحقيق ذلك؟
العدد 177 - السبت 01 مارس 2003م الموافق 27 ذي الحجة 1423هـ