مع صدمة نفوق الأسماك، خليج توبلي يعود لتصدر الأخبار المحزنة للبحرينيين بشكل عام، والمزعجة لمن نسي مسئولياته تجاه بيئة هذا الوطن الذي يخسر ثرواته يوما بعد يوم وبشكل يصعب عكسه.
في كل فبراير/ شباط ومنذ العام 2004 وجمعية أصدقاء البيئة تحتفل بيوم الأراضي الرطبة ويوم البيئة الوطني عبر التعريف بالأراضي الرطبة وعلى رأسها خليج توبلي والتنبيه والتحذير من مغبة الممارسات المسيئة للخليج العظيم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. بدأ التعريف والتذكير عبر ندوة تلفزيونية مميزة قدمت للجمهور البحريني والعربي متعة وألم التعرف على خليج توبلي بيئيا وبيولوجيا وتراثيا وإنسانيا والتعرف على حرص البحرينيين على ذلك الخليج الثري بكل معاني الثراء، من خلال الصور والأرقام والخرائط والأبحاث العلمية والتاريخ المسجل لمساعي النشطاء البيئيين ومن خلال كلمات بسيطة وعميقة لشاب توبلاني ولد ونشأ وكبر وتزوج وأنجب الأبناء على ضفاف ذلك الخليج الذي ينتمي إليه آباؤه وأجداده. ونحمد الله أن كلل جهود الأهالي والنشطاء البيئيين والمجلس الوطني بغرفتيه ولاسيما الشورى والمجالس البلدية بإعلان عاهل البلاد خليج توبلي محمية طبيعية.
إلا أن خليج توبلي، ذلك الخليج الثري بتنوعه الحيوي وتركيبته النادرة كونه التمثيل الطبيعي الأخير لأشجار القرم في مملكة البحرين، يتم تقاذفه من مشروع قديم إلى آخر جديد على يد الجهات التنفيذية التي بيد كل منها حمايته أو تدميره. خليج توبلي عانى ومازال يعاني من ضغوطات بيئية كبيرة جدا تهدد بقاءه فهو في وضع بيئي حرج جدا وبحاجة إلى إنقاذ وإنعاش سريعين (فقد توقف عن التنفس في بعض الأماكن ويتنفس بصعوبة في أماكن أخرى) ومن ثم خطة بيئية مدروسة لإعادة تأهيله بيئيا ومساعدة موائله على التعافي وتنوعه الحيوي على الانتعاش في خطة مكونة من مراحل بعضها قصير الأمد وعاجل وبعضها طويل الأمد. وأن نكون مستعدين لإعطاء الخليج من العلم والخبرة والجهد والصبر المخلص والإمكانات المالية والتقنية والفنية والبحثية أفضل ما عندنا لنحافظ على ما هو موجود فيه حاليا ونعينه على استعادة أكبر جزء ممكن من ثرواته.
قلنا ذلك وشرحناه ثم أعدناه وكررناه وكرره آخرون بعدنا مع كل بادرة جديدة لمشروع مدمر أو فكرة متجردة من الفهم لواقع الخليج ومعنى وأهمية الحفاظ عليه.
وهذا ما جعلنا نستغرب التفكير في استثماره تجاريا، ولاسيما عندما يكون هذا التفكير صادرا من المؤتمنين عليه ممن يفترض منهم السعي إلى حمايته ومراعاة مصلحته هو قبل أية مصالح أخرى.
وقلنا حينها بضرورة إبعاد فكرة الاستثمار التجاري عن أي تخطيط أو حديث عن الخليج الذي سعدنا جميعا بإعلانه محمية. وقلنا إن خطط تطويره أو إقامة أي منشئ عليه فيجب ألا يتم التطرق له قبل الانتهاء من إعداد منظومة محكمة من الضوابط والمعايير غير العادية التي تملك أن تحفظ للخليج هدوءه وسكينته ودعم موائله وتنوعه الحيوي متذكرين أيضا أن محمية رأس سند به هي أرض من أراضي رامسار (الرطبة) المحمية عالميا لتنوعها الحيوي وأهميتها بالنسبة إلى الطيور المقيمة والمهاجرة التي يزخر بها خليج توبلي.
ونبهنا إلى أن البحرين لم تسعَ على مدى السنوات الماضية لحماية الخليج بكل طاقتها عبر أبنائها ومؤسسات مجتمعها المدني وقيادتها ومجالسها التشريعية والبلدية، لكي تخسر الخليج اليوم لصالح استثمارات ومشروعات إنشائية وتجارية غير مدروسة، ونكون نحن حينها من ضيعنا الخليج.
يقال إن أسماك خليج توبلي تموت؟ وما الغريب في الأمر؟ وما الجديد؟ المستغرب هو استغراب أي أحد من ذلك، والمضحك (دون أن يكون مستغربا) أن نسمع أصواتا ممن يلزمهم عملهم (الذي يتقاضون عنه أجرة) بحماية الخليج واتخاذ الإجراءات الاحترازية للتأكد من سلامته، ترتفع أصواتهم لتحاول التقليل من شأن الأسماك الميتة بهدف إسكات كل صوت يذكر بذلك الخليج وبتخاذل المسئولين في الدفاع عنه وتكالب الاعتداءات عليه من كل من يأمل في أخذ حصة له أو منفعة من الخليج بشكل أو بآخر.
خليج توبلي بأكمله يموت، أسماكه وكائناته تموت وتتناقص أعدادها وينقرض بعضها بل تتدمر موائل الخليج المهمة وتضمحل غابات أشجار القرم أهم موائل الخليج على الإطلاق والتمثيل الطبيعي الوحيد لهذه البيئة المهمة في البحرين. الأكسجين والحياة معدومين في بعض مناطق الخليج (وفق دراسات علمية معروفة لدى المسئولين عن حماية البيئة) بسبب مصانع غسل الرمال وأعمال الدفن ومياه الصرف الصحي، ليس في ذلك أي جديد!
الموضوع سهل جدا بعيد كل البعد عن أي تعقيد، خليج توبلي بحاجة إلى حماية حقيقية على يد مسئولين يحكمهم ضميرهم. وحماية خليج توبلي واجب (وليس مجرد خيار)وفقا لما ورد في الميثاق والدستور وحسب قوانين البحرين وحسب الاتفاقات والمعاهدات التي تلتزم البحرين بها أمام العالم، والأهم من ذلك حماية خليج توبلي واجب لأهميته البيئية والتراثية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان البحريني كونه ثروة وطنية لاتعوض وكونه عنصرا من أهم العناصر المكونة للهوية البحرينية.
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1762 - الثلثاء 03 يوليو 2007م الموافق 17 جمادى الآخرة 1428هـ