العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ

السعودية وإصلاح الوضع العربي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تقدمت المملكة العربية السعودية بخمسة مقترحات خلال الاجتماع التحضيري للقمة العربية العاجلة الخامسة عشرة تحت عنوان «ميثاق لإصلاح الوضع العربي» يدعو إلى التزام الدول العربية بصدق وجدية لتنفيذ القرارات المتخذة من أجل الخروج بميثاق عربي جديد يضمن حماية المصالح المشروعة ويحقق المطالب العادلة من خلال الاتفاق على آليات محددة، وبرامج واضحة.

المبادرة السعودية تنقسم إلى عدة مقترحات أساسية تبدأ بالإدلاء «بالقسم بالله العظيم» لتأكيد استعداد الدول العربية لتحمل واجباتها تجاه فلسطين والفلسطينيين. وبعد ذلك «يجدد» القادة العرب «تبنّيهم خيار السلام العادل والشامل المرتكز على الحقوق العربية المشروعة»، و«يعلنون إصرارهم على السعي إلى تنفيذ المبادرة العربية للسلام مع جميع محبي السلام في العالم» لإجبار «إسرائيل» على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967.

وتطرقت المقترحات السعودية إلى ضرورة «الإصلاح الذاتي داخل الدول العربية» معتبرة ان ذلك هو «المنطلق الأساسي لبناء القدرات العربية، وتوفير شروط النهضة العربية الشاملة وتلبية متطلبات الانخراط الإيجابي في ميادين المنافسة العالمية وتحقيق التنمية المستديمة وتطوير المشاركة السياسية وإيجاد برامج لتشجيع الإبداع ورعاية الفكر الخلاق والتعامل بموضوعية وواقعية مع المستجدات والمتغيرات المتلاحقة على الساحة الاقتصادية العالمية، وخصوصا ما يتعلق ببروز التكتلات الاقتصادية الكبرى».

ما ذكر أعلاه جاء في نصوص المقترحات السعودية التي تحدثت أيضا عن رفض العدوان الخارجي والسعي إلى تكوين «منطقة التجارة الحرة مع نهاية العام 2005»، وهي مقترحات تصب في الاتجاه الصحيح وأكثرها كانت (ومازالت) من أحلام النخبة العربية والحركات الإصلاحية التي سعت منذ عقود مضت إلى توجيه الجهود العربية باتجاه الإصلاح الذاتي وربط البلاد العربية اقتصاديا ومصلحيا تماما كما تفعل الدول الأخرى التي ارتبطت ببعضها بعضا.

المبادرة السعودية تأتي في وقت عصيب جدا، وفي وقت تطرح الولايات المتحدة الأميركية برنامجها لتغيير النظام العراقي ونشر «الديمقراطية» من «المغرب إلى البحرين»... إلا أن المشكلة هي ان القيادة الأميركية لن تعطينا الديمقراطية التي تتحدث عنها ولن تحسن الصنع معنا، لأن ذلك يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية ومع مصالح «إسرائيل» الاستراتيجية.

وهكذا ندخل القرن الحادي والعشرين بنداءات ترفع الشعارات الحسنة، وهذه النداءات تنطلق من واحدة من أهم القيادات العربية (السعودية) وتنطلق من أميركا، كما كانت تنطلق من النخبة السياسية العربية التي أنهكت خلال العقود الماضية وأصبحت مهمشة بعد أن عاشت في السجون والمنافي، وانهزم بعضها، والتحق عدد منها بالجانب الرسمي وأصبح مدجنا، وأصبح رسميا أكثر من الرسميين.

المبادرة السعودية مهمة جدا، ولكن الخلافات العربية لن تسمح لها بالخروج إلى السطح، ولأن المبادرة الأميركية هي التي سيتم تنفيذها شاء العرب أم أبوا...

عندما غزا العراق الكويت في أغسطس/آب 1990 واحتاجت الولايات المتحدة إلى الدخول إلى المنطقة كانت تبعث ممثليها السياسيين بحثا عن تحالفات سياسية حتى لو كانت ظاهرية. أما اليوم فهي لا تبعث أحدا من سياسييها، بل إن الذين ترسلهم من العسكريين الذين ينفذون السياسات التي يعلنها جورج بوش ورامسفيلد وباول عبر الصحافة ويسمعها القادة العرب كما تسمعها الشعوب العربية... فجورج بوش لم يعد يهتم بما يقوله القادة العرب ولا يعطي اهتماما لقمة عربية أو لأي قرار أو مبادرة عربية ولا يسمع ولا يشاهد المظاهرات المنددة بالحرب سواء كانت في أميركا أو في أي بلد من بلدان العالم.

ستكون في «الشرق الأوسط» بعد العام 2003 خريطة أخرى بعد الحرب الأميركية على العراق وبعد إزالة النظام العراقي... فالأميركان يتحدون أي طرف يخاطبهم فيما إذا كان هذا الطرف يستطيع إزالة النظام العراقي، وإذا كان الجواب (كما هو متوقع): ان هذا غير ممكن؛ فإن الأميركان يستمرون في برنامجهم العسكري ويرسلون المزيد من تعزيزاتهم العسكرية والمزيد من جنرالات الجيش والجنود والقوات الخاصة والطائرات المقاتلة والقاذفة والتجسسية... ففي رأي الأميركان ان زمان السياسة قد ولّى، وهذا الزمان يتطلب «العضلات» فقط، وبعد ذلك سترتب الولايات المتحدة أصولا جديدة للعمل السياسي، ومن لا يرتضي تلك الأصول الجديدة سيعتبر عدوا للولايات المتحدة (أو إرهابيا) يجب التخلص منه...

النظام العراقي فعل كل شيء واستنفد كل سياساته وخططه، ويقع عليه اللوم الأكبر لما وصلنا إليه. فلقد تحولت العراق من أهم الدول العربية على مستوى القدرات والفاعلية إلى شعب جائع وفقير بإمكانات تم تدميرها أو تبذيرها في سبيل تحقيق أحلام شخص واحد في النظام العراقي... وهذا كله أوصلنا إلى حال العجز العام الذي نشعر به قادة وشعوبا... فلأول مرة تتساوى قيمنا أمام الأميركان ولأول مرة ينظر الأميركان إلى رؤساء دولنا تماما كما ينظرون إلينا، من دون اكتراث، ومن دون اعتبار.

القمة العربية العاجلة حملت أهم الأفكار التي حلم بها أكثرية العرب، ولكنها أيضا تأتي في وقت العجز العربي، فالإصلاح الذاتي يتطلب زوال الدكتاتورية (وعلى رأسها النظام العراقي)، ولا يمكن لحاكم أن يزيل نفسه ولا يمكن لبعض الدكتاتوريين ان يصلحوا أنفسهم بعد أن فسدت أسس الحكم.

مع كل ذلك، ومع كل المرارة التي نمر بها جميعا، ومع علمنا بأن الإدارة الأميركية ماضية في طريقها لإنجاز برنامجها، فإن المقترحات السعودية ربما توفر لنا منافذ للإصلاح تلتقط ما يمكن التقاطه وتحاول بدء عملية الإصلاح... وهي عملية طال انتظارها

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً