يتعرض نظام حظر الأسلحة النووية اليوم إلى الضغوط. فهناك دولتان - هما إيران وكوريا الشمالية - مازالتا تتحديان بوضوح المجتمع الدولي، وترفعان من الاحتمالات الخطيرة لانتشار الأسلحة في منطقة كل منهما. وقد صرّح الإرهابيون عن رغبتهم باستخدام المواد النووية. كما يتعين علينا أن نضمن أن باستطاعة الدول توليد الكهرباء باستخدام الوقود النووي، مع تعزيز الضمانات بألا تقع المواد النووية أو معرفة التكنولوجيا النووية بأيدي من لا يمكن الوثوق بهم.
تلك هي تحديات خطيرة، لكن ليس هناك من سبب يدعو للاعتقاد أن ليس باستطاعتنا مواجهتها. فعلى رغم المأزق الأخير، فإن الإجماع الأساسي على عدم انتشار الأسلحة النووية هو إجماع قوي، ولطالما كان كذلك. والغالبية العظمى من الدول لم تطور أسلحة نووية، وهناك دول أقل كثيرا مما كان يُخشى من قبل ممن حصلت على هذه الأسلحة أو احتفظت بها. والدول المعروف أن لديها أسلحة نووية عملت بنفسها على تخفيض ترساناتها إلى حد كبير.
لكن كما جادلت يوم الاثنين الماضي خلال اجتماع دولي كبير عُقد في واشنطن، فإننا إذا ما أردنا تحقيق نتائج في مجال عدم انتشار الأسلحة النووية، يتعين علينا أن نبدي طموحا أكبر كثيرا واتخاذ إجراءات أكبر بشأن نزع هذه الأسلحة. فالدول التي لديها حاليا أسلحة نووية يجب عليها أن تكون جادة - وأن يُنظر إليها على أنها جادة - حيال وجود عالم يخلو من الأسلحة النووية. وغالبية الدول - التي يُعتبر دعمها ضروريا للحصول على إجماع دولي بشأن منع انتشار الأسلحة - تريد وتتوقع من تلك الدول أن تبذل المزيد لأجل تحقيق التزاماتنا بموجب اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية. فإذا لم نفعل ذلك، فإن الدول التي من المحتمل أن تطور الأسلحة النووية ستستغل الخلافات فيما بيننا لصالحها. وتلك الحاجة لتعزيز التزامنا الجماعي تحتل الأهمية نفسها على المستوى الإقليمي. فالتزام المجتمع الدولي الواضح تجاه وجود مناطق تخلو من الأسلحة النووية، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، يعتبر دعامة حيوية لتوطيد نظام عدم انتشار الأسلحة النووية.
يجب على الدول التي لديها أسلحة نووية أن تكون أكثر انفتاحا بكل تأكيد بشأن الخطوات التي اتخذتها تجاه نزع الأسلحة حتى الآن: الخفض الكبير بأعداد رؤوس المقذوفات - نحو 40,000 - في كل من الولايات المتحدة وروسيا منذ انتهاء الحرب الباردة، إلى جانب خفض فرنسا والمملكة المتحدة للأعداد الأصغر كثيرا التي لديها. لكن هذه ليست مشكلة اعتقاد فقط؛ فالإحساس بالجمود إحساس حقيقي. هناك غياب خطير للحوار على أعلى المستويات بشأن عدم انتشار الأسلحة النووية، وفشل جماعي في التوصل حتى الآن لخطة واضحة للمضي قدما. نحتاج لكل من الرؤية المستقبلية - أي سيناريو وجود عالم يخلو من الأسلحة النووية - والإجراء، أي اتخاذ خطوات تقدمية لخفض عدد الرؤوس النووية والحد من الدور الذي تلعبه هذه الأسلحة في السياسة الأمنية. لقد برهن لنا التاريخ كيف أن وجود رؤية واضحة يمكن أن تؤدي لاتخاذ إجراء واضح. هل كان وليام ويلبرفورس، على سبيل المثال، سيتمكن من تحقيق نصف ما حققه لو أنه مضى في «تنظيم» أو «خفض» تجارة العبيد بدل أن يلغيها نهائيا؟ أشك بذلك. وكذلك هو الأمر بالنسبة للأسلحة النووية. فالإيمان بأن التخلي تماما في النهاية عن الأسلحة النووية هو أمر ممكن سيكون بمثابة محفز على اتخاذ إجراء تجاه نزع هذه الأسلحة. والاعتقاد على أي درجة كانت بأن الأمر ليس كذلك هو أوثق سبيل تجاه عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق.
إن اتخاذ إجراء لا يعني وضع جدول زمني غير واقعي للتخلي عن الأسلحة النووية. فهذا يتطلب أكثر من مجرد دبلوماسية تجاه نزع الأسلحة - وهو يتطلب سياقا سياسيا عالميا أكثر أمنا واستقرارا، وهو سياق غير متاح اليوم. وهو بكل تأكيد سبب اتخاذ المملكة المتحدة لقرار الاحتفاظ بقدرتنا على أن يكون لدينا رادع نووي مستقل إلى ما بعد العشرينات من القرن الحالي. لكن الإقرار بأن الظروف للتخلي عن هذه الأسلحة غير متاحة الآن لا يعني بأن نستسلم لفكرة أننا لن نصل أبدا إلى تلك النقطة. كما أن ذلك لن يمنعنا من خفض الأسلحة النووية والبدء بأن نفكر بكيفية التخلص منها تماما. وقد أعلنت المملكة المتحدة، على سبيل المثال، عن خفض عدد رؤوس المقذوفات المتاحة عمليا لديها بمعدل 20 في المئة. كما قلنا بأنه لو كانت الظروف ملائمة لكنا تخلصنا من باقي هذه الرؤوس. نحتاج على الصعيد العالمي إلى ثلاث خطوات، كل منها تعتبر بحد ذاتها خطوة إيجابية، وكل منها تحملنا باتجاه تحقيق وجود عالم يخلو من الأسلحة النووية. أولى هذه الخطوات هي خفض أعداد رؤوس المقذوفات بشكل أكبر، وخصوصا لدى الدول التي لديها أكبر الترسانات منها. فمازال هناك أكثر من 20,000 رأس نووي في العالم. ولا يعتقد أي أحد تقريبا - سواء السياسيون أو واضعو الاستراتيجيات العسكرية أو العلماء - بأن وجود هذه الأعداد من رؤوس المقذوفات مازال يعتبر ضروريا لضمان أمن العالم. وثاني هذه الخطوات هي الضغط تجاه التوصل لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب ومعاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية. كلا هاتين المعاهدين تحدان من قدرة الدول الأطراف فيهما على تطوير أسلحة جديدة والتوسع بقدراتها النووية. وثالث هذه الخطوات هي النظر في كيفية معالجتنا للشفافية العالمية والتحقق العالمي - تأسيس إطار يمنح الناس الثقة بإجراء خفض أكثر عمقا لتراساناتهم، وأن يتخلوا للأبد - يوما ما - عن قدراتهم النووية. لقد قلت بأنني أريد المملكة المتحدة أن تكون «مختبرا لنزع الأسلحة»، وهذا يعني التفكير بشكل جديد. فعلى سبيل المثال سنشارك في دراسة متعمقة يجريها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن متطلبات التخلي في النهاية عن جميع الأسلحة النووية، وسندعم استنتاجات تلك الدراسة بالعمل الفعلي. كما سنركز على التحدي المعقد والمهم لوضع نظام للتحقق صارم ويوثق به وفعال لا يؤدي للكشف عن معلومات تتعلق بالأمن القومي أو معلومات حساسة بالنسبة لانتشار الأسلحة.
إن جيلي هو
جيل عاش دائما في ظلال القنابل؛ لكن هناك خطر يكمن بتعودنا على شيء فظيع للغاية. فإذا ما سمحنا لجهودنا بشأن نزع الأسلحة بالتخاذل، وإذا سمحنا لأنفسنا بأن نعتبر الإجماع على عدم انتشار الأسلحة النووية بأنه أمر مفروغ منه، فإن ظل الأسلحة النووية الذي يحلق فوق رؤوسنا جميعا سيمتد ويصبح أكثر عمقا. وقد يؤدي، يوما ما، إلى حجب الضوء للأبد. وهذا أمر ليس بوسعنا أن نسمح له بأن يحدث أبدا.
إقرأ أيضا لـ "مارغريت بيكيت"العدد 1755 - الثلثاء 26 يونيو 2007م الموافق 10 جمادى الآخرة 1428هـ