عانت الأندية «الرياضية الثفافية» التابعة للمؤسسة العامة للشباب والرياضة زمنا طويلا من الفقر والتغييب الثقافي، وغلبة لون واحد من الأنشطة، وشحة الموارد المالية، وتخلف مقارها عن أبسط الأساسيات والامكانات المقومة للبرامج التي ترسمها ادارات هذه الأندية. وقد انحصر الاهتمام بالشأن الشبابي في الجوانب الرياضية والترويحية فقط، ولتفترس كلمة «الرياضة» جارتها في عنوان النادي كلمة «الثقافة».
التركيز ينصب ولايزال على بناء الأجسام وتأهيل الشباب للمسابقات الرياضية، وصرف آلاف الدنانير عليها، ما أدى إلى فقدان التوزان لاحتياجات الشباب خلال العشر سنوات الماضية، وتفكك البنى الصلبة المكونة للقواعد الشبابية، في ظل انحسار القراءات والبرامج الصحيحة التي تعنى بشئون الشباب، وتتلاءم مع الواقع، وتستشرف المستقبل بكل تحدياته وصعوباته.
وبعد دمج هذه الأندية وتحويلها إلى أندية متخصصة في الرياضة، وتخصيص موازنات كبيرة لتسيير نشاطها وإنشاء مبان ضخمة تستوعب عددا كبيرا من الشباب الرياضيين ومؤهلة لأنماط كثيرة من الألعاب الرياضية، بقي الحال كما هو عليه في مقار الأندية الصغيرة في القرى والمدن بعد الدمج، وأطلق عليها «مراكز ثقافية اجتماعية»، ولكن الصورة لا تزال ضبابية وغير واضحة عن برامج عملها، واذا ما كانت تابعة إلى إدارة المؤسسة العامة للشباب والرياضة مباشرة أم تابعة إلى ادارات الأندية المدمجة في المنطقة التي تنتمي إليها.
هذه المراكز تعيد الحكاية نفسها. إنها بحاجة إلى رعاية ودعم مالي وتجهيزات تسير العمل الثقافي التي تتبناه. فهي تتبنى الأدباء الشباب وتنظم أمسيات شعرية، و تقيم العروض والمهرجانات المسرحية المبهرة بأبسط الامكانات، وغيرها من الأنشطة الجادة المفيدة التي لا تكلف الكثير. واذا قمنا بحساب الموازنة السنوية لأحد هذه المراكز فهو لن يعادل مشاركة خارجية واحدة في مسابقة رياضية إلى احدى الدول الخليجية. والمراكز اليوم بحاجة إلى تنظيمها ووضع اللوائح الداخلية التي تقوم العمل والأنشطة، ومساندتها ودعمها قبل أن يختنق النشاط الثقافي ويحجم في بلادنا.
وقد دخل طرفا في المعادلة تأسيس واشهار الجمعيات الشبابية التي تهدف إلى احتضان ورعاية الشباب، وتقديم البرامج الثقافية والاجتماعية والسياسية جنبا إلى جنب مع هذه المراكز. ولكنها هي الأخرى (الجمعيات) تعاني من الظروف القاسية من اضمحلال الامكانات والموارد وغياب المقار، وباختلاف أنها تابعة إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية. ولابد من التنسيق بين عمل المراكز والجمعيات لإحداث مزيج من التوافق وتوحيد الجهود التي تصب في تطوير الساحة الشبابية.
والاشكالية الكبرى هنا متعلقة بمسئولية الثقافة تجاه الشباب، من يتحملها؟ ومن يكون محاسبا عليها؟ اذ تنصلت المؤسسة في أكثر من مناسبة من هذه المسئولية، وألقت بها على وزارة الاعلام ممثلة في قطاع الثقافة والفنون كما صرح حديثا رئيس المؤسسة الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، وخرجت تأويلات كثيرة عن معنى هذا الكلام، اذ فسرت المؤسسة أن المقصود من تصريح الشيخ فواز هو أن شئون الثقافة بشكل عام في البحرين تعود إلى قطاع الثقافة والفنون، بينما الجانب الثقافي المتعلق بالشباب فهو من مسئولية المؤسسة، ولا تتحمله بمفردها بل تتشاركه مع قطاعات أخرى حكومية.
والتغير الذي طرأ في الآونة الأخيرة، هو اعلان المؤسسة عن الاعداد والتحضير للاستراتيجية الوطنية للنهوض بالشباب التي تعنى بعموم الشباب وقدراتهم في مختلف مجالات الثقافة والصحة والبطالة والتنمية، ونأمل أن تعيد الاستراتيجية الاتزان للساحة الشبابية، ويراعى فيها أوضاع المراكز الثقافية الاجتماعية والجمعيات الشبابية، فهناك حاجة ماسة إلى «المنقذ»، وهو طبعا ليس شخصية أسطورية ستهبط من السماء، وانما الارادة التي تحول المستحيل إلى ممكن
العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ