في شهر فبراير/ شباط 2006، قام مجرمون بتفجير القبة التي تزيّن بيت الإمامين العسكريين، الإمام علي بن محمد الهادي (ت 254هـ) وابنه الإمام الحسن العسكري (ت 260 هـ)، والذي دفنا فيه، وقبل هذا الحادث الفظيع، نشرت صحيفة «جيلاندز بوستن» الدنماركية في سبتمبر/ أيلول 2005 رسوما كارتونية وقحة ومسيئة لمقام الرسول الكريم (ص).
في ذلك الوقت حين تم تفجير المرقد الشريف للإمامين العسكريين، ألقى أمين عام حزب الله السيد نصر الله كلمة خاطب فيها المسلمين، مضمونها التحذير من أن التهاون والتمييز في الدفاع عن مقدسات إسلامية سيمهد الطريق حتى يقوم الصهاينة وغيرهم بالاعتداء على مقدسات المسلمين من دون تفريق مادام المسلمون متهاونين في الدفاع عن مقدساتهم ويتعاملون بالتمييز بين الرسول (ص) بالدفاع عنه ويتهاونون في الدفاع عن أهل بيته (ع).
هذا الكلام لم يأت ممن يلق الكلام على عواهنه، فقد حاول التيار التكفيري منذ أمد بعيد الترويج والزعم بأن هذه الأضرحة المقدسة لأهل البيت (ع) خاصة بطائفة المسلمين الشيعة، واعتبار هذه المساجد مظاهر شرك وغلو، ونجح هذا التيار في مسعاه هذا بدرجة ما. ويتعثر أصحاب هذا الفكر في التناقض، إذ لابد أنه يرفض هدم قبة مسجد الرسول الكرم (ص)، بينما يقبل ضمنيا هدم قبة أحفاد رسول الله (ص)!، فما هي المبادئ أو الروايات التي تحرّم هذا العمل الإجرامي هناك وتبيحه هنا؟
لا شيء من علم ولا دليل وبرهان إلاّ الموروث المتهرئ المقبور والذي يتشبث به هؤلاء بعد أن أخرجوه وحاولوا نفخ الروح فيه وبرعاية رسمية تمويلا وتمكينا حتى خرجوا وتغوّلوا كما يخرج العفريت من قمقمه.
في يوم الأربعاء الماضي (13-6-2007) قامت عصابة إجرامية بتفجير منارتي مشهد الإمامين العسكريين، وقد سارع السيد السيستاني وغيره من الرموز بطلب التهدئة، وعدم زجّ الأخوة السنة في القضية، إذ ما أسخف الزعم بأن مسلما سنيا يقبل تفجير المرقد الشريف، بل العكس من ذلك، فالتاريخ يحدثنا أن المرقد قد تسابق في تعميره السنة والشيعة، فأول من عمر الضريح هو «ناصر الدولة الحمداني الشيعي سنة 333( هـ/944 م)، وتم تجديده عدة مرات في زمن البويهيين الشيعة، ولما جاء السلاجقة السنة مع ما لهم من مواقف سلبية مع الشيعة، فقد جدّد الملك بركيا روق السلجوقي الأبواب، وسيّج الروضة، ورمّم القبة والصحن والدار. وفي سنة (606هـ / 1210م)، قام المستنجد العباسي المتوفى سنة (622هـ/ 1225م) بتعمير القبة، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين وتجديد بناء سرداب دار الإمام، وعند استيلاء أبي الحارث أرسلان بن عبدالله البساسيري على بغداد قام بتعمير وبناء مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام. وفي سنة (640 هـ/ 1243م) شب حريق داخل روضة الإمامين عليهما السلام فأتى الحريق على الفرش... فأمر المستنصر بالله العباسي بعمارة المشهد الشريف والروضة المباركة».
هذا نموذج من التسابق الذي يتساوى فيه الشيعي مع السني في تعمير مراقد أهل البيت (ع) حتى من قبل الحكّام المعروفة مواقفهم السلبية مع الشيعة، ما يدلل على مكانة ومحبة المسلمين وعشقهم لأهل البيت (ع) ورفضهم لمثل هذه الأعمال الإجرامية التي لم يُعرف لها وجود إلاّ بظهور المد السلفي المتشدد وخصوصا في القرن الثامن عشر من الجزيرة العربية.
ويبدو أن التكفيريين بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل أهل السنة والمواجهات القائمة بينهم وبين العشائر السنية في الأنبار ومن بينها مدينة الفلوجة التي قام التكفيريون بتفجيرات انتحارية في بعض التجمعات الجماهيرية فيها، كما حدث في جنازة أحد قيادات العشائر السنية، أرادوا حرف هذه المسيرة نحو الوحدة الوطنية الجامعة على رفض أعمالهم وجرائمهم وذلك من خلال اقترافهم هذه الجريمة الشنعاء التي تعكس ظلمات قلوبهم، فهم ربما توقعوا أن تحدث ردّات فعل ذات سمة طائفية، غير أن هذا التفجير في هذا العام سيكون سببا للوحدة والتكاتف والمزيد من النبذ للفكر التكفيري، فالزمن تبدل في غضون عام واحد، واستوعب المسلمون مزيدا من الدروس وازدادت القناعة بأن التكفيريين أداة لجعل المسلمين كالفخار يكسر بعضه بعضا.
@ الاقتباسات منقولة بتصرف عن: أحمد علي مجيد الحلي في بحث تحت عنوان: «مقامات الإمام المهدي عليه السلام».
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1745 - السبت 16 يونيو 2007م الموافق 30 جمادى الأولى 1428هـ