أحيانا للهروب أو للتراجع فوائد كثيرة وكبيرة وخصوصا عندما تكون المواجهة خاسرة أو تسير عكس التيار العام ونتائجها غير مضمونة كما هو الحال ويسلم به الكثير من رؤساء ضباط الجيش الأميركي في العراق وقد فضل بعضهم الاستقالة على المضي في الخطأ ما ينقص ويفقد الجيش الأميركي قدراته العسكرية. لذلك فهروب الجيش الأميركي الوارد الشروع فيه من العراق ليس استثناء من هذه القاعدة وبكل تأكيد سيكسب الكثير.
إن الإنسان السوي والسياسي المحنك إذا ما أراد النجاح لا يُقدم على السير عكس قوى التيارات إنما يراقب اتجاهاتها و يحدد قوة اندفاعاتها ويسخرها لبلوغ أهدافه لتوفير الجهد الكبير. أما المغامر والغبي فدائما تجده يعاند ويكابر ويتصور أنه بإمكانه الوصول للهدف من أقرب نقطة معتمدا على قواه من دون مبالاة أو اكتراث بقوة التيارات الأخرى فيقرر الخوض عكسها ويندفع في تحد غبي ومحاولة فاشلة للوصول إلى أهدافه مهما كلفه الأمر حتى و إن خسر نفسه.
هذا ما حدث لرئيس ألمانيا النازية أدولف هتلر عندما قرر الخوض عكس التيار العالمي لفرض آرائه السياسية. فأندفع ضد إرادة شعوب المنطقة بكامل طاقاته إلا أن التيار العام استنزف قواه حتى خارت وفنت وانتهى غير مأسوف عليه.
إن العالم لم يعد كما كان فالأمم في هذا الزمن أصبحت عصية على كسر إرادتها على مستوى الدولة أو الحزب والعشيرة.
بالأمس حاول الاتحاد السوفياتي في غباء مماثل خوض تجربة أدولف هتلر على مستوى أصغر وذلك بالسير ضد التيار العام في أفغانستان إلا أنه وبعد حين استوعب الدرس فقرر الهروب منها بعد أن خسر الكثير وخسر الحرب وخسر اتحاده السوفياتي فيما بعد لكنه أستطاع بهروبه من أفغانستان أن يحافظ على الاتحاد الروسي.
وعلى الجانب الأخر «إسرائيل» وعلى مدى أكثر من نصف قرن تعتقد خطأ أن بإمكانها المضي بنجاح عكس تيار المنطقة وأنها قادرة على كسر إرادة شعوبها، إلا أن الدلائل تشير عكس ذلك فـ «إسرائيل» في حقيقة الأمر في انحسار متعاظم وفي كل يوم تخسر تعاطف المزيد من أفراد المجتمع الدولي وبالمقابل تنضم أجيال جديدة من دول العالم لصفوف المقاومة ضدها، لذلك فإن الاستمرار في عنادها سيكلفها مزيدا من الانكسار حتى تتلاشى وتنتهي ما لم تحكم العقل وتهرب إلى محطة السلام وتجلس مع الفلسطينيين والدول العربية لعقد السلام لضمان وجودها على الخريطة مقابل تخليها عن سيرها عكس التيار وذلك بإرجاع الأراضي التي احتلتها بالقوة في سنة 67 إلى أصحابها.
والشيء نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية التي قرر رئيسها في ساعة غضب السير عكس تيار الإرادة الدولية فدخل العراق مغرورا بآلته العسكرية متجاهلا الأرواح البشرية من العراقيين والجنود الأميركيين الذين ُزج بهم في قضية لا يمكن كسبها عسكريا وكان بالإمكان حسمها سياسيا.
إن الدور الآتي على الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية أو غيره ليقرر إما الهروب من العراق كما هرب الجيش الأميركي من فيتنام ليربح وحدة الصف الأميركي والرضا العالمي وإما أن يستمر في عناده إلى أن يهزم شر هزيمة وتنتهي الولايات المتحدة الأميركية إلى دويلات صغيرة كما أل إليه الحال مع الاتحاد السوفياتي.
إن الولايات المتحدة الأميركية لن تنجح في التظاهر أو التخفي طويلا تحت مظلة الدولة الصالحة وحاملة لواء فرض نشر العدل والسلم العالمي والدولة الراغبة في التوزيع العادل للثروات من أجل تحقيق رفاهية البشر. هذا الكلام المعسول عفى عليه الزمن وانكشفت عنه النوايا لأن الكذب «حبله قصير».
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ