العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ

مُديمو الفقر

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

سانتو دومينغو، جمهورية الدومينيكان - هذه الجزيرة الجميلة عانت أكثر من نصيبها العادل من الحكّام الفاسدين والعاجزين والذين أبقوا معظم شعبهم في أوضاع من الفقر. ولكن الآن وحيث أخذ اقتصاد الدومينيكان يقوى ويتحسن وارتفعت الأصوات داعية إلى تغييراتٍ إيجابية خلاقة، فإن هذا البلد (وغيره من الشعوب الفقيرة المماثلة) قد أصبحوا يخشون من بعض أعضاء الكونغرس الأميركي وبيروقراطيي الاتحاد الأوروبي والمسئولين في المنظمات الدولية أكثر من خشيتهم من قادتهم.

إيرلندا وآيسلندا، وبيرمودا، وجزر كيمان وسنغافورة، جميعها جزر أصبح معظم سكانها أثرياء ومترفين خلال العقود الأخيرة. ومع ذلك فإن الكثير من الجزر مثل جمايكا، وكوبا وجمهورية الدومينيكان والتي تملك موارد طبيعية أكثر من الأولى تعاني الفقر. إن ما يجمع الجزر الغنية ليس الطقس أو الانتماء العرقي للسكان وإنما حكم القانون، وحدٌ أدنى من الفساد وسياسات تنظيمية وضرائبية وتجارية تنافسية. أما الجزر الفقيرة فتعاني جميعها من فساد شديد، وأنظمة حكومية مكبلة وحريات اقتصادية ضئيلة.

كان يمكن أن نظن بأن الطبقات السياسية في الأمم الغنية ستحيي وتؤيد السياسات التي جلبت الرخاء والحرية إلى الجزر الغنية (وغيرها من الأمم)، وأن تنحى باللائمة على سياسات الأمم الفقيرة. ولكن للأسف، فإن هذا لا يحدث.

من الصعب لجزيرة فقيرة أو لبلد فقير أن ينمو وأن يحقق الثراء إذا لم يكن في مقدوره جذب رأس المال الأجنبي وفتح الأسواق الخارجية أمامه. ومع ذلك فإن البلدان الصغيرة والشعوب التي تتمتع برفاهية معقولة تتلقى الهجوم من الكثير من قادة الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي بسبب أن نسب الضرائب لديها متدنية، وبالأخص بالنسبة للعمالة ورأس المال.

هذه المعركة ظلت مستمرة على امتداد معظم العقد الماضي ولكنها أخذت منحى أكثر شدة مرة أخرى عندما اتخذت المجموعة الأوروبية استهدافا مباشرا لسويسرا بسبب أن بعض القوانين السويسرية المحلية تتيح معاملة ضرائبية مريحة إلى الشركات التي تنتقل إليها. عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي قدموا مشروعات قوانين تعاقب البلدان ذات الضرائب المتدنية والتي يتهمون حكامها بالاشتراك في «جريمة» السعي لتحسين أوضاع مواطنيها عن طريق جعل بلدانهم أكثر جذبا لرأس المال الأجنبي. (بطبيعة الحال، يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ أن يعالجوا بشكل إيجابي هذه «المشكلة» الناشئة عن التنافس الضرائبي عن طريق استبدال نظام ضريبة الدخل الأميركية المدمِّرة والمعقدة، بضريبة استهلاكٍ بسيطة مثل الضريبة العادلة، والتي من مزاياها الإضافية رفع النمو الاقتصادي الأميركي).

إن نفاق بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يبدو بغير حدود. الصلاحيات الصغيرة المحدودة المتعلقة بالضرائب والمحافظة على السرية تُهاجم، علما بأن مثيلاتها من القوانين موجودة في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة وفي غيرهما من أعضاء الاتحاد الأوروبي، مثل النمسا وبلجيكا وهولندا. إن المستثمرين الأجانب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة معفون من كثير من ضرائب الدخل وضرائب ازدياد رأس المال على بعض من استثماراتهم، وكل واحدة من تلك الأمم لها مواقع أو أنواع من المعاملات تتسم بالسرية والحماية.

التجارة هي ميدان آخر، إذ يبدو أن النفاق قائم بلا حدود. المسئولون في الاتحاد الأوروبي، بينما ينحون باللائمة على معاناة فقراء العالم ويطالبون بمزيد من الضرائب من أجل الإنفاق على المساعدات الخارجية، ثم ينقلبون في اللحظة نفسها ويطالبون بوضع قيود شديدة على الاستيراد الزراعي من البلدان الإفريقية الفقيرة ومن شعوب الجزر. القيادة الديمقراطية في الكونغرس تدفع باتجاه إقرار إجراءات تحرم البلدان ذوات المداخيل المتدنية من الدخول إلى الأسواق الأميركية. وفي الفترة الأخيرة أعلن السيناتور الديمقراطي ماكس بوكوس، عن ولاية مونتانا، بأنه يؤيد «التجارة الحرة» ولكنه تحول إلى القول بأن التجارة يجب أن تُقيد إذا لم يكن العمال الأجانب يتمتعون المزايا نفسها التي يتمتع بها عمال الولايات المتحدة وإذا لم تكن البلدان الأجنبية تلك تتمتع بالمستويات البيئية نفسها التي تتمتع بها الولايات المتحدة. هذا القول جعل من الواضح أن السيناتور لا يعرف ما معنى «التجارة الحرة»!

لسنوات كثيرة، دأب كثير من علماء الاقتصاد بيننا على القول للبلدان المتدنية المداخيل: خفضوا من نسبة ضرائبكم الهامشية العالية على العمالة ورأس المال لكي تصبح اقتصادياتكم في وضع تنافسي عالمي جيد، وخفّضوا من تعرفاتكم وحواجزكم التجارية وستبادلكم الأمم الكبيرة تلك الإجراءات بمثيلها. ولكن لسوء الحظ فإن الكثير من السياسيين والإعلام في أماكن مثل جمهورية الدومينيكان هم يستمعون الآن للرسالة التالية من واشنطن وبروكسل وباريس: إذا وضعتم سياسات اقتصادية تدعم النمو فإننا سنعاقبكم بدلا من مكافأتكم.

ومن المفارقات أن بعضا من أكثر دعاة السياسات التي تؤدي إلى مزيد من الفقر في بلدانهم كما في البلدان الأجنبية، يلقون التعظيم والإجلال كدعاةٍ للإنسانية من قبل أعضاء وسائل الإعلام الذين لا يفكرون تفكيرا صافيا، والذين لا يعرفون الفرق بين التعاطف الكلامي وبين الأفعال التي تؤدي بالفعل إلى تحسين أو تراجع أوضاع فقراء العالم.

*خبير اقتصادي أميركي في معهد «كيتو» في واشنطن العاصمة،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً