العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ

وجهة نظر عن الذكرى الأربعين لحرب الأيام الستة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كانت طبول الحرب تقرع في أوائل يونيو/ حزيران العام 1967، في نهاية أيام دراستي كطبيب مقيم في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. أثارتنا احتمالات حرب عادلة يتم فيها تحرير فلسطين، الأمر الذي يسمح للبعض منا الذين أصبحوا لاجئين العام 1948بالعودة إلى ديارنا، وكلنا ثقة بالنصر ضد الجيش الإسرائيلي الصغير. أستذكر بشكل مميز حوارا جرى في الكافتيريا مع أستاذ الجراحة عبد اللطيف يشرطي، الأرستقراطي المهذب الذي درس وتدرب في بريطانيا.

سألني وقد تركزت نظرة عينيه الزرقاوين الحادة على عيني، «ما الذي يجعلك تعتقد أننا سننتصر؟» بدأت أسرد أعداد الطائرات والدبابات التي تمتلكها الجيوش العربية مقارنة بالأعداد الضعيفة للجيش الإسرائيلي. قال لي الأستاذ الجليل بهدوء: «أنظر هنا. في يوم من الأيام غادرت حيفا. أقمت في أماكن عدة ولكنني أحب هذا المكان. لا أريد أن أصبح لاجئا مرة أخرى. « كانت إجابتي غير مهذبة ورعناء، وكلي أسف عليها. شككت في وطنية أستاذي وحكمته. أدركت في السنوات التي تلت أن حروب العام 1948 و1967 تحيط مثل ركائز الكتب على الرفوف بالوقائع الموضوعية السياسية القابلة للتحقيق في هذا النزاع. فهي تحدد الكوابح التي يضعها وجود وإصرار الفلسطينيين والإسرائيليين على طموحات بعضهم بعضا في المساحة الصغيرة التي هي فلسطين الانتداب أو، كما يقولون، «بين النهر والبحر».

وضعت حرب العام 1948 نهاية حتمية لآمال الفلسطينيين والعرب بأن تفشل الصهيونية في تحقيق الدولة اليهودية في فلسطين. لم يعد باستطاعة الفلسطينيين التطلع نحو تحقيق نوع من الاستقلال كالذي حققته بقية الدول العربية، أو بأن تبقى فلسطين عربية. إضافة إلى ذلك فقد كانت نتائج الحرب مدمرة للمجتمع الفلسطيني لدرجة أن الأمر استغرق نحو العشرين سنة لإعادة تشكيل الهوية السياسية الوطنية. جزء كبير من هذا المجتمع مازال على الطريق غير المستوي نحو التعافي، بعد ستين سنة.

الطبيعة الحاسمة لحرب العام 1948 في تأسيس «إسرائيل» كدولة أصبحت جزءا من الوضع السياسي عبر المستقبل المنظور، تم دعمها بشكل درامي في حرب العام 1967. أي أمل عربي باقٍ يعكس نتيجة العام 1948 لا يمكن أن يكون اليوم واردا إلا في عقلية ذاتية التضليل. فعام 1948 و1967 في هذه الحال، وضعت حدودا واضحة للتطلعات الفلسطينية والعربية. «إسرائيل» باقية. إلا أنه من سخريات القدر أن الفترة منذ العام 1967 أظهرت حدودا مشابهة لآمال وتطلعات بعض الإسرائيليين والحكومات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة.

من الواضح أنه من المستحيل كفلسطيني النظر إلى الوراء على السنوات الأربعين التي مضت من دون ملاحظة النتائج الرهيبة للاحتلال على الفلسطينيين. ينزع منتقدو الاحتلال أحيانا، وهو أمر مفهوم، إلى التركيز على الإنكار المنهجي لحقوق السكان الخاضعين للاحتلال. ولكن الأهم من ذلك من وجهة نظر سياسية أن هذه الإجراءات القمعية - ونزاعين سياسيين - الانتفاضة الأولى التي كانت غير مسلحة إلى درجة بعيدة والانتفاضة الثانية التي أتت بنتائج كارثية نتيجة لعسكريتها - في الأراضي المحتلة لم تتمكن من فرض السيطرة الإسرائيلية بأي أسلوب له معنى. فالمقاومة ضد الهيمنة الإسرائيلية والتي برزت في الكثير من الأشكال الشرعية، وبعض الأشكال غير الشرعية طبعا، هي الآن أقوى من أي وقت مضى.

لا يرى أحد خارج الحركة الاستيطانية الوضع على أنه قابل للبقاء أو يمكن الدفاع عنه. الجميع لديهم مخططات للتغيير لأن الواقع لا يمكن تحمّله ببساطه. التحديات التي واجهت الإسرائيليين في العقود الماضية كان صورة طبق الأصل لذلك التحدي الذي واجه معظم الدول العربية في العقود المبكرة للنزاع، وبالذات بين العامين 1948 و 1967، أي إدراك حدود الطموحات السياسية الخاصة، والوجود الدائم للقاعدة الوطنية الأخرى وشرعية حقوقها الوطنية وبالتالي ضرورة قبول وضع يضم دولتين تعيشان معا بسلام وأمن. وعلى رغم أن معظم المراقبين يرون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني منقسما من حيث المبدأ عبر خطوط وطنية فإن الانقسام الأكثر أهمية هو بين هؤلاء على الطرفين الذين يفهمون ويقبلون الطبيعة النهائية لنتيجة حرب العام 1948 وهؤلاء الذين لا يفهمونها. الذين يدركون 1948 كلحظة تاريخية حاسمة يفهمون أنها وضعت أسس محددات لا يمكن التغلب عليها لكل من القومية الفلسطينية والإسرائيلية، وأن خطوط الهدنة لعام 1949 أصبحت تشكل الأساس الجاد الوحيد الذي يمكن حل النزاع بناء عليه.

كان العام 1967 حاسما في إثبات ذلك بالنسبة إلى الكثير من العرب، على رغم أنه من الواضح احتاج لوقت طويل لترجمة هذه الوقائع الواضحة إلى مواقف سياسية. من المفترض أن تكون السنوات منذ العام 1967 لها نتائج مماثلة على معظم الإسرائيليين الذين لا يستطيع أي منهم بعد الآن أن يفشل في فهم أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان، ولن يختفوا عن وجه الأرض، ولن يقبلوا العيش من دون مواطنة على دولة غير موجودة في أرضهم. علينا أن ندرك جميعا أنه لن يكون هناك سلام إلى أن يتم احترام الكرامة والتطلعات الوطنية للشعبين. المعادلة الوحيدة التي تستطيع تحقيق هذه الشروط هي إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل». الأمر عائد لأصدقاء «إسرائيل» وفلسطين لعبور خطوط الفصل الوطنية الدينية والعنصرية والعرقية التي تفصل بيننا وتشكيل تحالف وطني ودولي لدولتين. «الحقائق على الأرض» التي منعت وضع حد للنزاع يجب التغلب عليها من خلال هذه الرؤية ومن خلال القوى السياسية التي تأتي بها للتأثير عليها.

لا يمكن إنقاذ الشباب والشابات في الشرق الأوسط، الذين يناضلون مع مشاعر الكرامة المجروحة والعدالة المنتهكة والتعامل مع الخوف والثأر والفقر والطمع، من مصير الأجيال السابقة إلا عن طريق قيادة حكيمة شجاعة على جميع الجوانب، لا تألوا جهدا في سعيها نحو تسوية تاريخية. أستاذي في الجراحة فهم أمرا لم أفهمه أنا العام 1967، ولكنني أعتنقه وأتبناه الآن بكامل مشاعري: المستقبل أكثر أهمية بكثير من الماضي.

* رئيس ومؤسس مجموعة العمل الأميركية من أجل فلسطين، ويمثل عسلي الذي ولد ونشأ في القدس صوتا يسعى الجميع إليه في قضايا الشرق الأوسط في وسائط الإعلام وعلى تلة الكابيتول، إذ شهد أمام شقّي الكونغرس، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً