العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ

اختطاف الدين وسبي القومية

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

ليشهد القارئ العزيز والمواطن الكريم أن دين الإسلام الذي وحد قبائل العرب في دولة وأمة واحدة ضمت إليها شعوبا وقبائل من مختلف الأعراق والإثنيات والقوميات ليتعارفوا على كلمة الله العليا، ورسالة نبينا محمد (ص) الخالدة الموحدة والمؤلفة بين قلوب أبناء الحضارات والمجتمعات الإنسانية المختلفة، والقاعدة والركيزة الاجتماعية المتجذرة روحا والأكثر صلابة هي التي تستلب اليوم سياسيا لتفرز بين «طائفة منصورة» و«طائفة ضالة»، وهي التي تفرق بين من «مؤمن» وبين «متآمر على الدين»!

فبات الدين الموظف سياسيا والمفرغ تضامنيا وجمعيا وأمميا من مكنوناته القيمية الخالدة هو أفضل نموذج لسلعة سلاحية تستهلك في ميدان التشطير العمودي للمجتمع والوطن الواحد، كما هو بات يؤخذ كصحيفة ملفقة تشهد زورا ضد مطالب ومصالح المواطن وأبسط حقوقه الإنسانية المشروعة فيكون المواطن حينها محاصرا بكامل الحيرة والاندهاش تجاه هذه الصنيعة المجتمعية السياسية المهلكة، والكائن المسخ الذي لا يعرف له قول ولا فعل ولا شكل ولا مضمون و لا أصل ولا فصل!

أصبح «الدين» المعجون بأنامل سياسية فوقية وتحالفية سلطوية كائنا لا يعرف غير النهش والعض والهتك لأعراض الآخرين وتمزيق الجسد الوطني الواحد شر تمزيق إلى أشلاء طائفية وحزبية وتيارية لا تعرف للتلاقي والتلاحم والتوحد من معنى، إلا في يد صاحب مفاتيحها ومنتجها سياسيا!

هذا الكائن، وهو الدين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المبدل لا الوحي المنزل، هو الذي أصبح خير سند ورديف لتسفيه قول الحق الذي فيه يمترون، بعد أن كانت هنالك رسالة سامية بازغة في ظلمات الإنسانية ترسل أولى أشعة التحرر والاخوة والرحمة والتعاطف والتعارف والمساواة، وتدعو إلى قول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشتى مستوياته، وتشير إلى خلود وحفظ من الله رب العالمين، فإذا بها تصبح اليوم بيانا سياسيا ماكيافيليا مغزولا برداءة لا تسمح له أن يحفظ ويعمر إلا بمدى استتباب الأمن والاستقرار لنظام من الأنظمة السياسية، وقرصنة من القرصنات يجيء «الدين» رديفا ورافدا لها!

واليوم جاء دور القومية هي الأخرى لتسبى سياسيا واجتماعيا مرة أخرى بحسب خصوصيته بعدما سبيت بهزائم ونكسات وجرائم زعماء أنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن، إلا أنها حاليا وبشكل مغاير ومتباين عن صورة المشهد الإقليمي تتخذ إحدى أكثر الصيغ المجتمعية فرزا وتحديدا كحمض فاشي اختباري للتفريق في مجتمعنا المحلي بين «الأصيل» و«الزائف»، وبين «المواطن الموالي الأصيل» و«المواطن المتنكر لأصله» وحتى «المواطن الكاره لوطنيته وأصله وأهله» و«الطابور الخامس» وغيرها من اتهامات وإسقاطات.

بل استحالت خنجرا في أيدي مرتزقة وانتهازية للطعن في الولاءات والمصداقيات، وتخوين كل من لم يتخذ من الراحل صدام حسين ربا، ومن لم يتخذ من منهجية السب والشتم والهذيان وسيلة لاستيعاب وإدراك الجار الإيراني، كما هي بكامل جلالها ووقارها أضحت في مصانع الدولة سجادا قومجيا تزداد جودته كلما أشبعته دوسا، أو ارتقت بوقا عجينيا يزعق وينهق فيه المزايدون على الالتزام بالثوابت القومية والإسلامية والوطنية الولائية، في حين أنهم يصمتون صمت الحيطان و«البلهان» إذا ما أتت كرة التطبيع مع الكيان الصهيوني في مرمانا الوطني علهم يحافظون على مصالحهم ومطامحهم بتولي الكراسي والحصول على فتات مغانم ومكاسب مستقبلية من موزعيها، و«يركّون» كالدجاجات على أبنائهم/أبنائهن وحواشيهم/، عسى أن يفقس البيض وينعم الفراخ بدفء هذه «القومية»!

كل هذا الاستلاب «التضامني»، والاغتصاب المضاميني، وتغييب الأثر التوحيدي والتجميعي لـ«القومية» من قبل السلطة ومصانعها جاء بعد أن كانت مظلة وراية شاسعة تحفظ بخفق ظلالها الصفوف الوطنية من التيه والزوغان، وبعد أن حمل همها في الصدور الرحيبة لمناضلين شرفاء سطروا أروع الأيام الجميلة في ذاكرتنا الوطنية، وقبلها حددت في خير القرون بكونها تتحدد بناء على اللسان أو اللغة، فإن تحدثت العربية بافتخار واعتزاز فأنت شريك ضمن رابطة العروبة، ولا تتطلب بالتحديد انتماء قبليا أوطائفيا ومغالاة جاهلية متخلفة حول أشكال هذا الانتماء ومزاولة الكراهية والبغض للأعراق والإثنيات والأقوام الأخرى حتى تدعي الأصلانية!

وإن كنا نفهم أن تتحالف تيارات قومية وإسلامية أثناء احتلال العراق فيما بينها أكان تحالفا توفيقيا أم تلفيقيا، وأن هذا التحالف قد يأتي مبررا ومنطقيا لرابطة الكراهية لسياسات وعجرفة أميركا الإمبريالية وذراعها الصهيوني في المنطقة، كما أنه وإن اختلفت الجسور ومخططات العمران التحرري والنهضوي بين هذين الفريقين التاريخيين، فإن التوق لتحقيق السيادة والاستقلال واتخاذ القرار الاستراتيجي بحسب المصلحة القطرية والقومية والأممية كفيل بدمجهما وصهرهما وإن طاشت وتباينت العناصر والجزيئات بين الفرق والأجزاء المتعددة.

إلا أن الأمر له خصوصيته هنا في البحرين حينما يكون هذا الاستخدام الأداتي لصلصة شواء (باربكيو) «قومية - إسلامية» تستساغ تابلا عند الشواء السياسي للقيم والمبادئ، وتعويم القضايا الوطنية الرئيسية المتراكمة في رئة المواطن المسكين منذ عقود خلت ولم تختلي من أحمال همومها، أو أن تستخدم «القومية - الإسلامية» كخلطة من الطيب الاصطناعي «الكيمياوي» الذي ما إن يحرق حتى ينشر عبقه المهووس في الأرجاء رغم أن هذا الطيب و«الرشوش» قد يكون بعضه مكونا من سماد انتهازي وعفن ارتزاقي!

وبذلك يظل الوطن والمواطن بينهما مغتربا ومسلوب الروح بعد أن زال دفئهما الحميم والمخدر في أثر واحد، واستبدل هذا الدفء الطبيعي بكهرباء حكومية خانقة وعالية الشحنة وقابلة للصعق الاجتماعي والسياسي إلا أنها هذه المرة لا تنقطع أبدا!

أعان الله الوطن ومواطنيه على فقده لذاك الدفء في بلد يصبح فيه كل شيء أداة وسلاحا وقنبلة محتملة للتشطير العمودي للمجتمع، وفي بلد تقطع الكهرباء في أغلب مناطقه وكأنما هي سلسلة عقاب جماعي، ما عدا الكهرباء المزودة حكوميا وسلطويا لمنتوجات «الدين» و«القومية»، أو «العروبة» و«الإسلام» المتجددة في صعقها من دون انقطاع!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً