العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ

لمصلحة من تتقاتل فتح وحماس؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لمصلحة من يقع الاقتتال السياسي بين فتح وحماس في قطاع غزة؟ ومن هو المستفيد من تلك الاقتحامات المتبادلة والقصف العشوائي والكمائن المدروسة؟ وما هي الرسائل التي يراد بعثها إلى الشعب الفلسطيني وشعوب دول الجوار والعالمين العربي والإسلامي؟

أسئلة لا معنى لها وهي تشبه كثيرا أجوبة تطلق من هنا وهناك لتفسير ما يحصل وشرح الدوافع التي أملت على فرقاء السلطة اللجوء إلى القوة لحسم الخلافات. ومهما كانت الأجوبة مقنعة فهي بالتأكيد ليست كافية لتبرير تلك الكارثة السياسية والإنسانية والنفسية التي تعطل العقل عن التفكير وتوتر الأعصاب وتقلب في ذهن المراقب الكثير من القناعات.

ما يحصل في غزة والضفة غير مبرر مهما كانت الأجوبة تقارب الإقناع. فالقناعات اصدق لأنها في النهاية تؤكد بديهة بسيطة وهي ان المستفيد الوحيد من كارثة الاقتتال الفلسطيني هو «إسرائيل». وإذا كان مثل هذا الرد هو الصحيح إذا لماذا يحصل الاقتتال ولمصلحة من؟

الأسئلة نفسها يمكن طرحها على ما حصل ويحصل في ساحة العراق. فالسيناريو نفسه (الأميركي - الإسرائيلي) جرى تمريره خطوة خطوة ودفعة دفعة إلى أن بدأت حرب التفجيرات وقتل المدنيين وقطع رؤوس الآمنين وتقويض المؤسسات وهدم المساجد ونسف المراقد وتمزيق العلاقات الأهلية وبعثرتها إلى جزر طائفية ومناطقية. والنتيجة غير مبررة ولا يمكن أن تكون مقنعة لأنها أنهت العراق كاحتمال مشروع دولة وأسست قواعد موضعية للتقسيم والفيديرالية وعطلت على المقاومة المشروعة والشرعية والشريفة والنبيلة أعمالها وأهدافها ووضعتها في زاوية ضيقة لا تستطيع الخروج منها لتصبح مقاومة عراقية وطنية شاملة.

الأسئلة نفسها يمكن طرحها على ما حصل ويحصل في ساحة لبنان منذ العدوان الأميركي - الصهيوني في الصيف الماضي الى تفجير معارك جانبية في الشمال وعلى ضفاف مخيم «نهر البارد». فالسيناريو متشابه من غزة الى العراق إلى لبنان.

هل هناك من جواب مقنع غير الرد بقناعات ثابتة بأن المستفيد الوحيد من الذي يحصل في شمال لبنان هو السيناريو الأميركي - الإسرائيلي. وإذا كان هناك من تفسير آخر هل بالإمكان الإجابة عن سؤال لمصلحة من افتُعلت الفتنة في الشمال؟ ومن هو المستفيد من حرب استنزاف ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من 60 جنديا لبنانيا وعشرات المدنيين وهجر حتى الآن أكثر من 40 ألفا من سكان مخيم لا ذنب لهم سوى أن هناك شلة لا يعرف أصلها من فصلها قررت خطف «نهر البارد» وتحويل الناس إلى متاريس وأكياس والتضحية بهم لأهداف غير واضحة في معالمها السياسية.

انه قانون واحد يربط تلك الكوارث التي نتابع تفصيلاتها يوميا على شاشات التلفزة والفضائيات. فهذا السيناريو الأميركي - الإسرائيلي من غزة والعراق إلى شمال لبنان لابد انه يستند إلى قوى تساعده أو تحاكيه خدمة لأهداف تحتاج ربما إلى بعض الوقت لمعرفة تداعياتها النهائية اذا قيض لهذه الشعوب الثلاثة المسكينة أن تشهد نهاية لهذا المسلسل الإجرامي.

هل هذا النوع من الأفعال يعزز القضايا الثلاث أم انه يخرب عليها ويعطلها؟ وهل دفع المنطقة إلى اقتتال داخلي يفتح قنوات اتصال دبلوماسية مع أميركا و»إسرائيل» أم يسد منافذها؟ وهل قتل البريء والتضحية بالناس ونسف المساجد والمراقد وتقويض المدن والقرى والاحياء يحسن شروط التفاوض ويعطي صدقية لمواقع ويطور الأدوار ويعزز الامكنة؟

كل هذه الأسئلة تثير العجب وتطرح الكثير من علامات الاستفهام. فهل وصلت السياسة درجة من الانحطاط لا تقيم الاعتبار للإنسان ومصالح العباد؟ وما فائدة التمسك بالسلطة إذا كانت نتيجتها الوحيدة هي إذلال الناس وتركيعهم وتوريطهم في حروب صغيرة يعرف سلفا من هو المستفيد من اندلاعها؟ وما قيمة المواقف النبيلة إذا استخدمت من اجلها أبشع الوسائل وارتكبت باسمها كل الفظائع والأعمال الشنيعة بحق ناس يقال إن ما يحصل من خراب ودمار هو من أجل عزتهم وكرامتهم في المستقبل؟

أجوبة مرفوضة

كل الأجوبة غير مقنعة مهما تفننت القوى والأطراف في شرحها وتفسيرها وعقلنتها. فالمبررات غير مقبولة مهما صيغت في بيانات وبلاغات وتصريحات لأن نتيجتها المنطقية المباشرة وغير المباشرة تصب في مصلحة السيناريو الأميركي - الإسرائيلي الذي يزعزع أركان المنطقة من أزقة غزة إلى شوارع بغداد وانتهاء على ضفاف «نهر البارد».

هناك طرف مستفيد وربما هذا الطرف يستخدم أو يستند إلى قوى معلومة ومجهولة لتمرير سيناريو تمزيق المنطقة وضرب هويتها العربية والمسلمة. فهذه القوى التي تفتعل المعارك وتستنزف الشعوب لابد أنها تعمل لمصلحة سيناريو تقويض دول المنطقة وبعثرتها إلى عصبيات تتنازع سلطات محلية لا قيمة لها. وهذا النوع من البعثرة العصبية الذي يتلطى بالسياسة يقوم على تجاذبات أهلية (طائفية ومذهبية) وظيفتها الوحيدة هي تمزيق المنطقة ودفعها إلى هاوية الانهيار.

المسألة خطيرة جدا. ومنتهى خطورتها تبدأ حين تصل علامات الاستفهام والأسئلة إلى فصيلين مشهود لهما بالكفاح من أجل التحرير. وهذا يؤدي إلى تحويل المسألة إلى غرابة تثير القرف والاشمئزاز. فما يحصل في العراق من أفعال شنيعة ينسب عادة إلى تنظيمات مجهولة الهوية والاسم والعنوان أو «فرق موت» لا يعرف من درّبها ونظمها أو مرتزقة (شركات أمنية) يقال إن شبكات المخابرات الأميركية والإسرائيلية أقدمت على تجميعهم ودفعهم إلى بلاد الرافدين لجرجرة الناس إلى الاقتتال الأهلي.

أيضا ما يحصل في شمال لبنان و»نهر البارد» يمكن أن ينسب إلى مجموعات مجهولة الهوية والاسم والعنوان استقدمت إلى بلاد الأرز لزعزعة استقرارها ودفعها نحو الفوضى وجرجرة أهلها إلى الاقتتال الأهلي والدولة إلى حرب استنزاف طويلة.

أما في غزه فالمسألة مختلفة. والملابسات العراقية/ اللبنانية غير موجودة في القطاع. فما يحصل هناك تعلن عنه جهارا ونهارا فتح وحماس. وهذا الأمر صفاقة، وهو البلية وشرها في آن. فهل من المعقول أن يصل اليأس السياسي إلى هذا الطور من البؤس في التفكير والقراءة والرؤية. وهل ما يحصل يقع في دائرة الحلال أم في منطقة الحرام؟ وهل وصلت قلة الإدراك إلى هذا المستوى من غياب العقل؟

حماس تتهم فتح بالبدء وفتح تتهم حماس بالمبادرة. ولكن هل ما يحصل يصب في النهاية في مصلحة مشروع حماس ويعزز أهداف فتح؟ الأجوبة مهما كانت مقنعة فهي غير مبررة ولن تكون مقبولة عقليا حتى لو بلغت درجة الكمال في البلاغة والتنظير.

ادعاء الاختلاف بين الفصيلين على برنامج التحرير وبناء السلطة الوطنية والاعتراف وعدم الاعتراف بالاحتلال يسقط ميدانيا وفلسطينيا ووطنيا وقوميا وشرعيا حين يتم توظيف الاختلاف في مشروع اقتتال داخلي يعطل على الفصيلين مشروعية تحمل مسئولية الدفاع عن الناس وحماية أعراضهم وأرزاقهم. فالحق بالاختلاف مسألة شرعية ولكن هذه المسألة تفقد شرعيتها حين تتحول إلى برنامج للاقتتال الداخلي في وقت يترك الشعب اسير جدار عنصري يلتف حوله وأسير حصار طويل أعلن دوليا لذرائع سياسية يبدو أن الطرف الحامل لها تنازل عنها ميدانيا.

السجال الميداني بين حماس وفتح في غزة والضفة اسقط كل الذرائع السياسية الشرعية التي تبرر حق الاختلاف. وهذا الأمر فعلا يطرح السؤال: لمصلحة من تجري المعارك؟ وسؤال المصلحة يمكن عطفه على مسألة التآمر ليرتكز الموضوع في مجمله على علامة استفهام: من المستفيد من اقتتال الشعب الفلسطيني؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً